الأحرار والبام في سوس : بُّوكْ سُّوسْ

صرخة10 فبراير 2021
صرخة
أخبار سياسية ونقابية
الأحرار والبام في سوس : بُّوكْ سُّوسْ
عبد الله بوشطارت

 

بقلم عبد الله بوشطارات

تتواتر سردية صوفية في بوادي سوس، مفادها، أن شيخا صوفيا استقبل ذات يوم ضيوفا داخل زاويته، وأثناء الحديث معهم في حضرته، دلف إليه مريدا من مريديه والذي لم يكن يعلم بضيوف الشيخ، هذا الأخير غضب غضبا شديدا على ذات المريد وقال له ” زايد أكين إلوح ربي غ العفيت”، لأن من الطقوس المعروفة في مسالك الصوفية والطرقية، عدم الدخول على الشيخ اذا كان في حضرته أناس أو ضيوف. بشدة الاعتقاد والوجد الرابط بين المريد والشيخ. ذهب المريد فعلا ورمى بنفسه داخل الفرن المشتعل بالنيران.
بعد ساعات فض الجمع الذي كان بين الشيخ وضيوفه، وأثناء صلاة العشاء انتبه الجميع بغياب ذلك المريد، وفتش رفاقه كل ارجاء الزاوية ولم يجدوا له أثرا، قام الشيخ ب”فلاش باك” وقال لهم فتشوا الفرن وسط النار، وفعلا وجدوه جالسا على ركبتيه وسط النيران وفوق الرماد، وجدوه سالما عافيا دون أن تصيبه النار بحروق، فاستغرب الجميع على ذلك المنظر الغريب. خرج واتجه صوب شيخه قال له هذا الأخير ” سيدي عليك أن ترحل الآن من هذه الزاوية وتؤسس زاويتك وترحل عني” اندهش المريد من شيخه الذي خاطبه بسيدي، أراد أن يتكلم، فقال له الشيخ ” سين الشيوخ وراتيلين غ يات زاويت”. (هذه الرواية متوارثة في سوس، افتتح بها الباحث محمد الطوزي كتابة الموسوم الملكية والاسلام السياسي بالمغرب،).
نترك الآن عالم الصوفية والبركة والصلاح، وننزل إلى واقع السياسة المأزوم في بلدنا، ونتجه صوبا إلى سوس، الذي عرف نهاية هذا الأسبوع احداثا سياسية متفرقة، على الرغم من أنها محدودة وتعكس صورة السياسة الصغرى، ولكن نريد تسليط الضوء عليها، لاستجلاء بعض مساحات الغموض والنفاق السياسي الذي يؤطر البنية الحزبية الحالية. وسنقتصر على حزب التجمع الوطني للاحرار وحزب الأصالة والمعاصرة. هذا الأخير نزل أمينه العام عبداللطيف وهبي إلى دائرته الانتخابية وجلس على زربية يخاطب الناس. لكن حزب التجمع الوطني للاحرار نظم حملة سياسية اعلامية وميدانية ضده خاصة في إقليم تارودانت، إلى درجة أن رئيس شبيبة الاحرار تعمد الحديث عن وهبي من داخل دائرته الانتخابية بنواحي تاليوين. وقال فيه كلاما كثيرا يرمز إلى اتهامات كثيرة.. فبغض النظر على أن الاحرار يبحثون عن دائرة انتخابية لترشيح رئيس شبيبتهم بعد إلغاء اللائحة الوطنية، ولم يجدوا له ملجأ إلا دائرة تارودانت التي يترشح فيها وهبي زعيم البام، بكون رئيس شباب الاحرار ينحدر من تاليوين بالرغم من أنه ترعرع في تافراوت، وهي نفس الدائرة التي ينتمي إليها المنسق الجهوي للاحرار في سوس ماسة ولكنه ممنوع من الترشح بسبب حكم قضائي. لكن هجوم شباب الاحرار على وهبي بشكل عنيف لا يفسره فقط رغبة رئيس الشبيبة في الترشح في تاليوين. وإنما بكون الصراع قديم وجديد في نفس الآن ظاهره سياسي وباطنه اقتصادي.

السؤال المحوري الذي يؤطر هذه المقالة، ولا تهدف بالضرورة الاجابة عنه حاليا، والمرتبط بجوهر الصراع بين الاحرار والبام: من هو الحزب الذي ينال رضى المخزن؟

اختيار وهبي لزعامة البام لم يكن بالصدفة، فرئاسة هذا الأخير بدأت بالصحراء ثم انتقلت إلى الريف ثم نزلت مرغمة إلى سوس. هل صعود وهبي المنتمي إلى عائلة اتحادية سوسية(تاليوين – الاطلس الصغير) له علاقة بتعيين أخنوش على رأس حزب الأحرار ( تافراوت – الاطلس الصغير) هو أيضا من عائلة سياسية واقتصادية كبيرة.
يتضح ذلك لأن وهبي معروف بمواقفه السياسية التي تحرج أخنوش سواء باعتباره وزيرا للفلاحة والصيد البحري والمياه والغابات والتنمية القروية، أو سواء باعتباره فاعلا اقتصاديا ورئيسا لحزب الاحرار، وقد ظهر وهبي معارضا لسياسات أخنوش خاصة أثناء حملة المقاطعة. وذلك ما يفهم من الدفع بوهبي على رئاسة البام لفرملة تغول أخنوش داخل الحكومة وفي البرلمان وخارجه. فالصراع سياسي واقتصادي تدور رحاه داخل اروقة البرلمان، حيث يتم اعداد مقترحات القوانين والتشريعات والمصادقة عليها، لذلك توجد لوبيات اقتصادية تعمل على تشريع قوانين على المقاس للاستفادة من الامتيازات الاقتصادية والمالية التي تمنحها تلك القوانين، والامثلة كثيرة، أهمها النقاش الذي فجرته لجنة التقصي البرلمانية حول ريع الوقود، وكان وهبي يستغل كثيرا هذا التقرير لضرب أخنوش سياسيا لأنه يتراس اكبر شركة توزيع الوقود والبنزين…
في زيارته إلى تارودانت تطرق وهبي الى بعض الأدوار التي يقوم بها النائب البرلماني، وذلك للتغطية على غيابه الدائم والمستمر، ومشيرا إلى انهم ساهموا في معارضة قانون يروم رفع الرسوم الجمركية على بعض المواد الأولية في صناعة النسيج، بعدما اكتشفوا أن الذين دفعوا بهذا المقترح داخل الحكومة لهم شركات خاصة في ذات القطاع، ويرغبون استغلال تواجدهم بالحكومة أو من يتحالف معهم لإصدار قوانين على مقاس.
لذلك، فالصراع سيشتد في سوس بين الاحرار والبام، ونلاحظ ذلك في تركيز الاحرار كثيرا على دائرة وهبي والعمل على استقطاب منتخبين تابعين لوهبي ليترشحوا في حزب الاحرار، كما حدث مع فلاح في سبت الكردان يوسف الجبهة الذي استقطبه الاحرار بوعود انتخابية كبيرة، ورد عليه البام بإعادة النائب البرلماني باسم الأحرار في إقليم سيدي إفني مصطفى مشارك وهو رجل أعمال معروف في قطاع المعادن، يتم الحديث على أنه سيترشح باسم البام بعد أن رفض الاحرار تجديد الثقة فيه، بسبب تزكية مدير المقر المركزي بايتاس في نفس الدائرة وهو الأمر الذي سيجعل حظوظ هذا الأخير ضعيفة جدا.

دون أن ننسى حرب التزكيات المشتعلة بين الحزبين في مدينة أگادير بعد أن استطاع البام خاصة حميد وهبي المستثمر في صناعة الأدوية اقناع كريم اشنگلي رئيس غرفة التجارة والصناعة والخدمات بأكادير بالبقاء في البام، هو الذي كان الاحرار يعولون عليه كثيرا لاستقطابه وكانوا يروجون أنهم سيرشحونه على رأس لائحة الجهة لتعويض حافيدي.
أما في مدينة تيزنيت، فلم تظهر بعد ملامح الصراع بين الحزبين، ولم تظهر الصورة بعد فيما اذا كان أخنوش سيترشح في دائرته السابقة، أم أنه سيبحث عن دائرة أخرى، ولازال مهندسي الانتخابات يبحثون له عن دائرة التي لن تخرج عن جهة سوس بالرغم من المشاكل الكثيرة المتراكمة، خاصة قضية الأرض والرعي الجائر.

الصراع انتقل أيضا إلى التسابق في استقطاب بعض مناضلي الحركة الأمازيغية، بعد اعلان الاحرار التحاق بعض المحسوبين من الحركة قبل شهر. وخلال نهاية هذا الأسبوع، البام يعلن هو الآخر من مدينة اگادير عن الاتفاق مع بعض الامازيغيين لترتيب مسألة الالتحاق. والبام هو السباق في اختراق الحركة الأمازيغية بزعامة الياس العماري وفشل فشلا ذريعا في ذلك، ربما الأمر نفسه هو الذي جعل عبداللطيف وهبي غير متحمس للفكرة، في رفضه اللقاء ببعض الامازيغيين في الشهور السابقة بمدينة الرباط.
الأشكال الكبير هو لماذا يتصارع الاحرار مع البام، وهما ينتميان إلى نفس النسق الحزبي، بمعنى أنهما أحزاب الإدارة والقريبة من السلطة، ويعتمدان على الأعيان والنفوذ. ليست لهم أرضية فكرية ولا مرجعية فلسفية ولا مذهب سياسي، والدليل على ذلك فإنهم يتبادلان المرشحين يمينا وشمالا، والمعيار في الحصول على التزكية ليس هو الرصيد النضالي والفكري والسياسي والميداني وإنما هو الرصيد (لي فبالكوم).
الخلاصة، فلاح كبير في منطقة هوارة يترشح لعقود باسم أحزاب مختلفة، سألته من اللون هذه المرة، هل مع أخنوش أم وهبي أجاب : أورتا نسسين مايرا المخزن.
للمزيد من الفهم، المرجو إعادة قراءة الرواية الصوفية أعلاه.

الاخبار العاجلة