في الحاجة إلى الامازيغية: لغة وهوية

صرخة29 مايو 2020
صرخة
منوعات
في الحاجة إلى الامازيغية: لغة وهوية

 

وقع جدل كبير في السنوات الأخيرة , حول جدوى استعمال الامازيغية في كافة مناحي الحياة , وأهميتها سواء داخل المنظومة التعليمية او بوسط إدارات الدولة والمؤسسات , هذا الجدل رافق توجه الدولة الجديد بقيادة الملك الشاب محمد السادس، الذي خطى خطوات مهمة بعد اعتلائه العرش وقرر تخصيص الخطاب التاريخي لأجذير من أجل وضع الأمور على السكة الصحيحة والقطع مع ما كان سائدا أيام الزمن الغابر بخصوص قضية الأمازيغية.
توجه الدولة الجديد، الذي أرساه الملك الشاب ، جاء باعتقادي استجابة لمطالب تاريخية للحركة الثقافية الأمازيغية التي ناضلت داخل أسوار الجامعات وعبر منظمات وهيئات مدنية وسياسية من أجل الاعتراف بالأمازيغية كلغة وجزء مهم من الهوية المغربية ؛ لكن كذلك ثمرة نداءات لشخصيات أمازيغية ساهمت طوال عقود من الزمن في التعريف بقضية عادلة تهم جميع المغاربة، وفي مقدمة هذه الشخصيات، الأستاذ العزيز والصديق أحمد الدغرني الذي أفنى حياته في خدمة هذه القضية دون مقابل يذكر أي دون ان ينتظر من الدولة مقابلا أكان مالا أو جاها على عكس عدة شخصيات تموقعت بفعل نضالاتها، سواء عبر أحزاب سياسية تبنت القضية او عبر المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ولذلك اوجه تحية عالية لابن منطقتي دا احمد على نضالاته المستمرة والشرسة لتحقيق مطالب جزء كبير من ساكنة هذا الوطن .
النخبة الحاكمة اليوم بالمغرب ، تعي جيدا أنه لا خيار سوى اقرار تعددية لغوية منفتحة تستعيد من خلالها الامازيغية دورها المحوري كلغة وطن ، لكن كذلك كهوية مجتمعية لغالبية السكان أريد لها في وقت من الأوقات أن تنمحي .
وإن جاء الاعتراف بهذا المكون متأخرا الا أنه بعد احتجاجات 20 فبراير أو ما سمي بالربيع الديمقراطي وبالضبط بعد 10 سنوات من حكم محمد السادس أقرت ،المملكة، الأمازيغية لغة رسمية للبلد فانطلق النقاش بذلك من المطالبة بالترسيم الى المطالبة بتفعيل الترسيم وتعزيز المكتسبات وضمان حقوق شرائح واسعة من المجتمع المتعطشة لحرفها ولغتها والطامحة للاعتراف بكينونتها.
هذه الحاجة للأمازيغية لغة وهوية باعتقادي يجب أن تؤطر بثلاث أمور أساسية :
اولها ان المغاربة ، وان وجدوا انفسهم امام لغتين منافستين هي العربية التي استقدمها العرب ايام الفتوحات الاسلامية والفرنسية التي فرضها المستعمر بداية القرن العشرين ، ما يزالون مرتبطين بلغتهم الأصلية ساعين للحفاظ عليها ، فلعل الزائر لمنطقة الريف : أقاليم الدريوش والناظور والحسيمة, ومناطق ايت بعمران حاحا ,اشتوكن, تفراوت ، تيزنيت وغيرها سيتأكد من كون ساكنة هذه المنطقة لا تتحدث إلا بلغتها الأم ولا تعترف إلا بالأمازيغية كوسيلة للتواصل. ومن خلال زيارتي لمناطق أخرى كاخنيفرة، اموزار مرموشة، الخميسات، ترسخت لدي هذه القناعة . وهذا وجب على الدولة الانتباه اليه جيدا فكيف يستقيم تعليم الأمازيغ بغير لغتهم التي يفهمونها ، وكيف يستقيم كذلك تواصل مؤسسات الدولة مع هؤلاء بقوانين مفرنسة واخرى معربة . وأرى أن مدخل إصلاح هذا الخلل سيكون عبر اللجنة الملكية التي يترأسها السيد السفير شكيب بنموسى فاقترح, أن يتم اعمال مناهج تربوية بلغات الجهات والأقاليم وفق بيداغوجية تعليمية يشرف على وضعها أبناء كل منطقة بتأطير من المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية أوالمجلس الوطني للغات والثقافات الذي سيتم إحداثه طبقا للدستور وباشراف من الوزارة الوصية على القطاع، وبخصوص المؤسسات والقطاعات الأخرى فالحاجة ملحة إلى دلائل مبسطة للمساطير باللغة الأمازيغية لضمان حق المواطنين في الحصول على المعلومة .
ثانيها أن التدين الذي يستعمله أعداء الامازيغية لم يكن قط ضد تفعيل دور هذه اللغة الحية في الحياة العامة ، اذ على سبيل المثال سجلت المعطيات التاريخية المتوفرة كون الطرق والزوايا بالمغرب سارعت الى تكييف مناهجها التربوية وتعزيز حضور الأمازيغية فكانت بذلك السباقة لفعل الترسيم قبل عقود من الزمن، و اقدم شيوخ الزاوية الدرقاوية التي ترعرعت في كنفها بالجنوب على ترجمة مؤلفات مهمة للتراث الإسلامي من العربية إلى الأمازيغية باستعمال الحرف العربي، وبالمناسبة اود ان اقول ان اللغة الأمازيغية سواء بالحرف اللاتيني أوالعربي لا يشكل أي خطر على اللغة : فهناك لغات بالحرف العربي وهي لغات قائمة الذات يعتز بها اصحابها .

ثالثها ان اي اصلاح سياسي بالمغرب يجب أن يأخذ بعين الاعتبار نقاش هوية المغربي وماهيته ، فإن كنا اليوم منهمكين في سجالات سياسية حول النموذج التنموي وحول قضايا تنمية المناطق النائية وتحسين جودة الخدمات وتطوير البنى التحتية وغيرها من الأمور المهمة ، الا انه سيأتي يوم تندلع فيه شرارة النقاش حول الهوية المغربية ، وأسئلة من قبيل ماهو المغربي؟ ما هي اللغة المغربية ؟لن يكون زمن ذلك اليوم كافيا للنخب من اجل الاجابة على تساؤلات مشروعة لفئات واسعة من المجتمع , لذلك حان الوقت للإقرار بكل الوسائل الممكنة ان الحاجة الى الامازيغية لغة وهوية هي الحل لكل الإشكالات التي يمكن تعرقل مسار التنمية ببلادنا .

لحسن معتصم
اعلامي

الاخبار العاجلة