الرشيدية : غدا الخميس ذكرى معركة “جبل بادو”..

صرخة28 ديسمبر 2016
صرخة
منوعات
الرشيدية : غدا الخميس ذكرى معركة “جبل بادو”..

وعزيز محسن.


تحل يوم غد الخميس 29 دجنبر الذكرى ال83 لمعارك جبل بادو التي دارت رحاها في غشت 1933، كآخر حلقة في معترك المواجهة التي خاض غمارها أبناء إقليم الرشيدية ضد قوات الاحتلال الفرنسي، والتي تعتبر ملحمة تاريخية وضاءة في مواجهة تحدي التسلط الاستعماري.

 وذكرت المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، في بلاغ بالمناسبة، بأن معارك جبل بادو جسدت أشرس المواجهات والنزالات بين الغزاة والمجاهدين، حيث شاركت في المعارك جميع القوات النظامية القادمة من المناطق العسكرية التي انتشرت فيها قوات الاحتلال الأجنبي بتادلة ومراكش ومكناس.

 وأوضحت أن عددا كبيرا من المجاهدين من كافة القبائل المرابطة بمناطق تافيلالت، اعتصموا، خلال هذه المواجهات، بقمم ومغارات وكهوف جبل بادو بعد تشديد الحصار عليهم، وقصف جميع المداشر والقصور المجاورة لجبال بادو، وسد كل الثغور والمعابر والممرات لتطويق المجاهدين المحاصرين، ومنعهم من الحصول على الإمدادات من مؤن وغذاء وماء ودخيرة ووسائل لوجيستيكية.

 وأبرزت أن قبائل وساكنة تافيلالت قاومت بضراوة منذ مطلع القرن العشرين، وضحت بالغالي والنفيس من أجل التصدي للاستيطان الأجنبي والأطماع الاستعمارية خاصة في سنة 1908 بعد أن أقامت القوات الفرنسية أول مركز استعماري لها بمنطقة بوذنيب، كان بمثابة قاعدة لانطلاق هجوماتها ومد سيطرتها على سائر تراب الإقليم.

 وهكذا، شهدت المنطقة سلسلة من المعارك بدءا بمعركة بوذنيب سنة 1908، ثم معركة افري سنة 1914، ومعركة الرجل بمسكي سنة 1918، ثم معارك تافيلالت، ومعارك نواحي كلميمة، وتاديغوست.

 وأشار المصدر ذاته إلى أن سلطات الاحتلال لم تتمكن من بسط نفوذها على كافة تراب الإقليم، ودخلت في أعنف مواجهة عرفتها المنطقة بجبل بادو خلال شهر غشت 1933، أبلى خلالها المجاهدون من مختلف قبائل الإقليم البلاء الحسن، واستطاعوا الصمود والاستماتة في المعارك وإرباك صفوف القوات الاستعمارية المدججة بأحدث الأسلحة والآليات الحربية الجوية والبرية وتكبدوا المحن والآلام باستشهاد العديد من النساء والشيوخ والأطفال الأبرياء العزل.

 وتلقت ثلاث مجموعات من القوات العسكرية الاستعمارية في آواخر يوليوز 1933، الأوامر والتعليمات من القيادة العليا للزحف على مشارف اغبالو نكردوس، فيما شرعت القوات العسكرية الفرنسية، في مطلع غشت 1933، في عمليات تطويق المناطق الشرقية من الأطلـس الكبيـر حيث أعطى الجنرال “هوري” أوامره لقواته التي كانت متمركزة على مشارف اغبالو نكردوس للزحف على تيزي نحمدون ابتداء من يوم 4 غشت من سنة 1933.

 وتطورت الأحداث والعمليات في أواخر نفس الشهر إلى مواجهات عنيفة في جبل بادو بين فرق المجاهدين والقوات الاستعمارية حيث أبان المغاربة في هذه المعارك عن روح قتالية عالية لصد المعتدين، وأذاقوا الغزاة أقسى الضربات وكبدوهم خسائر فادحة في الأرواح والعتاد.

 وكان المجاهدون يأتمرون بقادة اشتهروا باستماتتهم القتالية وبغنى تجاربهم الميدانية وحنكتهم الفائقة التي اكتسبوها من قبل في مختلف أرجاء تافيلالت.

 وأثنى البلاغ على صمود المجاهدين أمام جحافل القوات الأجنبية التي حاصرت الجهة الشرقية من الأطلس الكبير ،الشيء الذي دفع المجاهدين نحو خيار الجهاد والاستشهاد بدل الاستسلام.

 وهكذا، قام المجاهدون، بقيادة زايد اوسكونتي، بترتيب صفوفهم وتنظيم مقاومتهم في منطقة أوسكرسو بادو، فاتخذوا المغارات والكهوف للإيواء عند الضرورة وخزن المؤن استعدادا لطول أمد الحرب. وقد أبدى المجاهدون مقاومة شديدة أرغموا فيها قوات الاحتلال الأجنبي على التراجع في بعض المواقع وألحقوا بها خسائر فادحة في الأرواح والعتاد.

 وأمام المقاومة الشرسة لأبناء تافيلالت، سعى المستعمر إلى استخدام وسائل الترغيب واستمالة زعماء المنطقة تارة، وفرض أو محاولة فرض الحصار وتضييق الخناق على السكان وشن الهجومات الترهيبية تارة أخرى، ولكن المجاهدين بفضل إيمانهم وتمسكهم بمقدساتهم الدينية وثوابتهم الوطنية، ظلوا صامدين ومتحصنين بالكهوف والمغارات بجبل بادو ونحمدون وأيوب رغم قساوة الطقس والظروف المناخية وشدة الحر حيث لبثوا يواجهون قوات الاحتلال.

 وقامت القيادة العسكرية بمحاولات للتفاوض مع المجاهدين الأبطال فتوقف القتال في 24 غشت 1933، ترقبا لمفاوضات محتملة مع البطل زايد اوسكونتي وبينه وبين الجنرال “جيرو”، وطال انتظار القيادة العسكرية الفرنسية ولم يلب المجاهدون دعوتها للتفاوض الذي مني بالفشل الذريع.

 وإثر هذا الموقف الشجاع، قررت قوات الاحتلال شن هجوم شرس يوم 25 غشت 1933 على اسكرسو، واجهه المجاهدون ببسالة وشجاعة خارقة، وتم تبادل إطلاق النار بين الطرفين، ووصلت المعركة إلى المواجهة المباشرة باستعمال السلاح الأبيض.

 وفي 26 غشت 1933، تواصلت المعارك بحدة وضراوة وبعد أن نفذ زاد المجاهدين من جراء الحصار المضروب على المنطقة، توقفت المعارك، وانتقل أبناء إقليم الرشيدية للانخراط في العمل الوطني والنضال والانضمام بعدها إلى العمل المسلح للمقاومة بمختلف الوسائل دفاعا عن الشرعية التاريخية وصيانة للمقدسات الدينية والثوابت الوطنية.

 وأبرز البلاغ أن منطقة اغبالو نكردوس اضطلعت بدور رائد في الإشعاع الوطني لما اختارها المستعمر معتقلا ومنفى للزعماء الوطنيين مع بداية الخمسينات حيث حشد فيها رموز ورجالات الحركة الوطنية، من بينهم زعماء وطنيون من الموقعين على وثيقة المطالبة بالاستقلال.

 وأوضح أن اتصالات أبناء الإقليم بهؤلاء الزعماء الوطنيين شكلت فرصة لتمديد الإشعاع الواسع للمبادئ والأفكار الوطنية وإذكاء روح النضال الوطني التي ظلت مستمرة لتتأجج في ملحمة ثورة الملك والشعب المجيدة بعد إقدام سلطات الإقامة العامة للحماية على نفي بطل التحرير والاستقلال جلالة المغفور له محمد الخامس، ورفيقه في الكفاح والمنفى جلالة المغفور له الحسن الثاني رضوان الله عليهما والأسرة الملكية الشريفة في 20 غشت 1953.

 ولم تهدأ ثائرة أبناء تافيلالت كغيرهم من أبناء المغرب في مختلف الجهات والمناطق إلى أن تحققت إرادة الملك والشعب وتكلل نضالهما بالنصر المبين وعودة الشرعية والمشروعية التاريخية وإعلان الاستقلال في 16 نونبر 1955.

 وجددت أسرة المقاومة وجيش التحرير تجندها التام دفاعا عن الصحراء المغربية وتثبيت الوحدة الترابية للأقاليم الجنوبية المسترجعة، وثمنت عاليا المبادرة المغربية القاضية بمنح حكم ذاتي موسع للأقاليم الصحراوية في ظل السيادة الوطنية.

الاخبار العاجلة