في ذكرى مولدي … يمضي العمر كقطار مسرع فيما نقف نحن على الرصيف

صرخة20 يناير 2020
صرخة
الرأي
في ذكرى مولدي … يمضي العمر كقطار مسرع فيما نقف نحن على الرصيف
المهدي النهري

 

تمر الساعات وتنقضي الايام و الشهور و الاعوام، تاتي و ترحل لهذا العالم كل يوم مئات الألوف من الأرواح،و شائت دفاتر الأقدار أن تكون إحدى ساعات هذا اليوم قدري، اليوم الوحيد الذي يعنيني أكثر من أي يوم آخر،اليوم الذي بدء فيه تاريخ هذه التجربة الإنسانية التي أسميها عرضًا “أنا”… في مكان ما من هذه الأرض ولدتُ أنا ،.وتنفست رئتآي هوآئها لـتزرع بدآخلي أول بذور هاته الحيآة المُقنّعه،لذلك خرجت لاسمع العالم صيحاتي ،و اسمع ضجيج البشر.

هي مُجرد ارقام قد صفت ب جانب بعضها يفرقها فاصل عبارة عن خط مائل .. هذا فقط لكم انتم !

انما بنسبة لي انا هو يوم استثنائي غردت فيه العصافير فرحا و تراقصت الفراشات و انطلقت الزغاريد، تبسمت فيه السماء و عزفت الأمواج على أنغام سفنها أحلى الألحان ، هو عبارة عن حياة جديدة قد كتبت لسعادتي ، فيه قلبي قد ولد ، فيه عيناي ابصرت ، فيه دخلت عامي الجديد.

اشرقت شمس هذا اليوم العشرون من شهر يناير ،الذي يُعلن نهاية عام وبداية اخر وكأنه يأتي ليُعلن نهاية شيء وبداية اخر. أستقبل يوم ميلادي و أطفئ اليوم شموع السبعة و عشرين سنة مضت من عمري، و ما زلت كعادتي اطفئ شمعة كل عام يأتيني ،وها انا اليوم سوف اطفئ شمعتي أطفئ بها أخطائي و هفواتي، انزعاجي و غضبي ،أطفئ بها كل أحزاني و آهاتي و هاهي شموع الغد مشتعلة بكل معاني الأمل لتنير لي طريق المستقبل لتنير لي عقدا جديدا بحياتي و احطم قيود المسافات وصلاً و ازرع الأمال ، فَ اليوم أُلبي منادي التهاني ب مطلع عامي الجديد.

احترت و عجزت عن تهنئة نفسي بيوم ميلادي تتراقص على أطراف قلمي آﻵف الكلمات كل الحروف يتيمة أمامي إذا ما قيست بحجم أحلامي و آمالي ،مشاعر متلطخة بألوان عديدة من نوائب و افراح الزمان و لازلت اقلّب صفحاتٍ طويتها و افتح باب ذاكرة ختمتها بالشمع الااحمر ، هي مرة كل عام ادخل كهفها ، انظّف الأوحال ، ارتّب الخزائن و اعود لأغلقها

في هذه المرحلة من عمري، أشعر أن يدا ما قد ألقتني للتو من علٍ لأجد نفسي في مواجهة حياة لا أفهمها ولا تفهمني، فأمارسها متلبسة بالدهشة الأولى لاكتشاف الأشياء من حولي، وأحاول تحديد ماهيتها وصياغة تعريفات جديدة لها. تدهشني السماء، الغيم، اللون، الطعم، النور، النار، الظلمة، البشر، وتدهشني أكثر هذه “الأنا”.. كيف لهذا الرأس أن يحمل كل هذه الأفكار ويخزن كل هذه الذكريات ، كيف لأضلع بعرض ضمّة أن تحتوي كل هذه المشاعر، كيف لهذه المشاعر أن تلامس حواف بعضها دون أن تنصهر، كيف يساير الحب التملك، كيف يغلف العفو الغضب، كيف يأخذ الوفاء بيد الحزن، وكيف تطغى الرغبة على الإخلاص..

عجيب هذا الإنسان! مدهشة تفاعلاته الداخلية! مدهشة عيناه كيف تبوحان بالكثير دون قول شيء! مدهش عمقها أمام الحب! مدهش استعارها أمام الحقد!

نعم يخيفني الزمن أكثر من أي شيء آخر،يخيفني كيف ينساب بهدوء من بين يدي ولا استطيع القبض عليه، يمضي العمر كقطار مسرع فيما نقف نحن على رصيف المحطة نرمق عربات أمانينا دون أن نقبض إلا على خيوط الدخان. ان كل لحظة الآن هي مشروع ذكرى، تخيفني الطريقة التي تمتد بها الذكريات على الأفق كالسراب فتظل لابدةً أمام عيني لا انا ابلغها ولا انا اشيح عنها.. يخيفني الندم،وليس هناك أسوأ من الندم، أن اقف يومًا أمام نافذة تطل على الفراغ، تعيد ترقيع ذاكرة اهترئت من التلفيق، واحاول بقلم رصاص كتابة تاريخ جديد، ل امحوه في الغد واكتب آخر.

اليوم، أشعر باللامبالاة تتسرب إليّ أكثر، لم تعد تعنيني الشعارات الكبرى، ولا يناسبني مقاسها الفضفاض، لا تشغلني أزمات الهوية والوجود، لا أؤمن بحدود رسمت كيفما اتفق، لا أسعى لتغيير العالم أو إيقاف تدفقه الجارف، خفّضت سقف توقعاتي إلى مستوى قامتي. شفيت من هوس استبقاء الأشخاص من حولي، وأرخيت يدي أكثر للسماح للراحلين بالمغادرة دون استجداء أحد بالبقاء، ومع ذلك فإنني أقدّر جيّدا قيمة كل من شاء له القدر أن يمر عليّ. لم أعد أكترث إن كان الكرسي قبالتي في المقهى شاغرًا وأجد في تحريك الملعقة في الفنجان متعة تنسيني ذلك. أتتبع السعادة في التفاصيل الصغيرة وأستهلك كل حواسي في التقاطها، وتغمرني أكثر حين أعلم أن هناك شخصًا ما سيدّون في مفكرته مساءً “هي مبتهجة اليوم ولذا فأنا مبتهج”.

هو عمرٌ إذا يجرفني معه، لا أسعى فيه لتحقيق نجاحات كبيرة بقدر ما أسعى لكتابة ملاحظات لطيفة على هامش حياة مررت بها، ولا أتمنى فيه سوى أن يتمكن الطفل بداخلي من الحفاظ على توازنه و يبلغ محطة تحتضن أهداف أكبر .. بناء طموحات جديدة و أحلام أوسع .. يوم تمديد ميوﻻتي و ستظل السبعة والعشرين سنة تلك .محفوظة في كتاب سيرورة التاريخ مجرد كتاب سيعرض يوم التلاقي و لنا في الحياة حرية تأليفه بطرق عدة فهنيئا لكل من أبدع في تشكيل أوراقه بشتى الألوان !!!

الاخبار العاجلة