مع اقتراب كل استحقاق انتخابي، يشرع بعض السياسيين، مبكرا، في ترتيبات «البيع والشراء» في التزكيات، حتى يحجزوا لمن يدفع أكثر ورقة الترشح في الدوائر الانتخابية، التي تعرف منافسة شديدة بين المترشحين الذين ينتمون إلى الحزب نفسه.
وكشفت مصادر حزبية مطلعة لـ «الصباح»، أن قياديا من حزب معروف اتهم أمينه العام الأسبق، باتهامات خطيرة، منها أنه انخرط مبكرا في مساومة مترشحين أثرياء، من أجل تجديد ترشيحهم، مقابل الدفع له من تحت الطاولة، وهو ما جعل برلمانيا معروفا يفضحه لدى نشطاء الحزب. وأحيط الأمين العام للحزب المعلوم، علما بتفاصيل التفاوض المبكر للقيادي المتهم بتحويل التزكيات إلى «مزاد علني»، على بعد شهور من موعد الانتخابات، وهو القيادي الذي ذاق حلاوة «الملايين» التي جمعها قبل تشريعيات 2016، وتدوول اسمه أكثر من مرة في وسائل الإعلام.
ويصل سعر التزكية إلى 100 مليون، وقد يتضاعف، حسب حدة التنافس بين المترشحين الذين يدخلون في تحد، لا يحسمه إلا المال، من خلال شراء التزكية، ويلعب فيها الحزبيون، على المستويين الإقليمي أو المحلي، دور الوسيط، وصلة وصل بين المشتري والبائع، ويكون من قادة الحزب المؤثرين، رغم أميته السياسية، وركونه إلى الصمت، حتى لا يلفت إليه الأنظار.
ودخلت أحزاب سياسية، في وقت مبكر، في عملية اختيار مرشحيها ووكلاء لوائحها، بيد أن العملية بدأت تفوح منها روائح فساد وجب فضحه، لاستئصال ورمه الانتخابي الخبيث. وتجري عمليات «البيع والشراء» والمتاجرة في التزكيات، منذ الثمانينات، وتأبى الممارسة نفسها أن تزول، غير أن منسوبها انخفض مقارنة مع الحقب السابقة. وتوقع قيادي حزبي أن تكون عمليات «البيع والشراء» في تزكيات تشريعيات 2021 محدودة، وأن يتقلص حجمها، في حال تم تطبيق القاسم المشترك على أساس عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية، وليس عدد المصوتين، ويمكن للراغب في الترشح أن يحصل على التزكية بسهولة من الأحزاب التي توصف بـ «الصغرى» وما أكثرها في بلادنا، رغم أنها لا يظهر لها وجود إلا في المواسم الانتخابية.
ورغم ذلك، فإن بعض النافذين والأثرياء يسعون إلى شراء تزكية حزب بعينه، ما يجعل الظاهرة مستمرة، ولن تزول بسهولة. وتتكرر «حرب التزكيات»، وإن اختلفت مستوياتها من حزب إلى آخر، وهو ما يفسر أن الأحزاب السياسية أضحت تعيش لحظة تدير فيها معادلة معقدة، فمن جهة عليها أن تفكر في كيفية إعمال مبدأ الديمقراطية داخل هياكلها الحزبية من أجل اختيار مرشحيها، ومن جهة ثانية، ترغب في ضمان الفوز بالمقاعد خلال الانتخابات، وهنا تفكر في المرشحين الذين سيجلبون لها أكبر قدر من المقاعد وسيشكلون أرقاما رابحة.
وبدل أن تختار بعض الأحزاب مرشحيها على قاعدة الديمقراطية الداخلية، وحظوظ كل حزبي في الظفر بمقعد برلماني، وكفاءته وإشعاعه وتكوينه، تختار من يدفع تحت الطاولة، وتمنحه التزكية، ولا يهم إن فاز أو رسب، فالمهم هو «الحبة»، لأن الفرصة لا تتاح إلا كل خمس سنوات.