كلمة”البْرْتُوشْ” في الدارجة المغربية لا تحتمل الكثير من التأويل حتى وإذا لم تكن مُتداولة بالشكل المعروف. المعنى يتأرجح بين غرفة بسيطة أو حتى شقة صغيرة، لا يعلم بها العامة، ومخصصة لأهداف محددة: قضاء لحظات جنسية خارج إطار الزواج، شرب الكحول، تدخين الممنوعات..وغيرها مما تراه الدولة خرقا لقوانينها. ولو أن الهدف الأول المتعلق بممارسة الحرية الجنسية هو الشائع بشكل واسع لدى الباحثين عن “بْرْتُوشْ”.
يعرف المجتمع المغربي الكثير من التغيرات، التي طالما نلخصها في كلمتين الثابت فيهما مفهوم “انتقال”. انتقال ديموغرافي من خصوبة مرتفعة إلى خصوبة منخفضة، انتقال سياسي من عهد قديم إلى جديد(قديم)، انتقال اقتصادي وانتقال تربوي… في خضم كثرة الانتقالات نتناسى أو نتجاهل الانتقال الجنسي الذي يعيشه هذا المجتمع لما للموضوع من حساسية. لكن ورغم الإنكار السياسي فالنشاطات الجنسية تفرض نفسها في الواقع اليومي. و قد ساهمت مجموعة من العوامل في تأجيج الرغبة الجنسية، كتأخر سن الزواج، وصعوبة الصوم الجنسي بالنسبة للذكور والإناث، نظرا لطول مدة التمدرس ومجموعة من المعيقات الاقتصادية. اختلاط الجنسين في المدرسة والعمل وارتفاع فرص المصاحبة.
زد على ذلك، خروج المرأة إلى الفضاء العمومي واستقلالها الاقتصادي، ومن تم تحررها نسبيا من سلطة الأسرة. وكذلك فهم الشباب للجنس كحق وعامل أساسي من أجل تحقيق التوازن النفسي، وأخيرا وسائل الإعلام التي أججت بصورها و أفلامها “البورنوغرافية ” الرغبة الجنسية.
هذه العوامل رفعت من أسهم الجنس في المجتمع المغربي، وزادت من الطلب عليه، ما تمخض عنه عرض متزايد.
هذا الانفجار الجنسي، رافقه انتقال جنسي تجسد في وفرة على المستوى الاقتصادي (تطور العمل الجنسي)، وكذا تحول اجتماعي(تسامح نسبي مع العلاقات الجنسية خارج مؤسسة الزواج)، وتطور حقوقي(الجنس كحق بالنسبة للجنسين).
إلا أن هذا التطور، لم يرافقه تطور جغرافي. فوفرة الجنس لم يرافقها وفرة في الأمكنة المخصصة لممارسته، لا زال الانتقال الجنسي في المغرب يعاني من إعاقة جغرافية، اصطلحنا عليها أزمة “البرتوش”، فماذا يعني “البرتوش”؟ و كيف يدبر الشباب وفرة الجنس وشح الأمكنة؟ وما هي معايير اختيار البرتوش وكيف يتم تسييره؟
قليل منا تساءل عن معنى “برتوش”، رغم أن الكثير يمتلك واحدا أو يبحث أو يتحدث عنه أو يحلم بامتلاكه. فمن المرجح أن ّ الكلمة مشتقة من” Partouche”، وهو اسم عائلي خاص بمؤسس أول كازينوهات و ملاهي فرنسية (مجموعة برتوش). وعندما نتحدث عن ملهى ليلي فنحن نتحدث عن ملتقى للهو واللعب وأيضا مكان تتوافد عليه العاملات الجنسيات وزبناؤهن. فمن يقول ملهى يقول جنس. وبهذا ارتبط “البرتوش” بكل الطقوس الاحتفالية بما فيها الجنس.
“البرتوش” بالمعنى المغربي، يعطي الشباب استقلالية جغرافية واجتماعية عن آبائهم، إنه فضاء الحرية. فهو مساحة جغرافية منزل أو غرفة صغيرة، وغالبا ما يكون عبارة عن كراء جماعي يتقاسمه مجموعة من الشباب أو كراء ثنائي يتقاسمه ذكر وأنثى أو كراء فردي. قد يكون “البرتوش” أيضا قصديريا حيث يقوم شباب بعض الدور الصفيحية ببناء غرف قصديرية محادية لمنزل الوالدين، لكن مستقلة عنها لها بابها الخاص والبعيد عن أنظار الوالدين اللذين يغضان الطرف ويتسامحان مع هذه الاستقلالية المجالية الجنسية.
إلى جانب هذا النوع من البرتوشات هناك ما يصطلح عليه ب”البرتوش الطبيعي” (كالغابة و صخور الشاطئ). إن “البرتوش” عبارة عن سكن وظيفي ينتهي بمجرد انتهاء الطقس الجنسي. و هو أيضا رمز من رموز الفحولة فالفحل هو من يمتلك “برتوشا”، الذي يشهد على نشاطه وخصوبته الجنسية، كما أن مالك البرتوش يتمتع بمحابات أصدقائه الطامعين في لحظة جنسية.
ما هي معايير اختيار “البرتوش”؟
يعبر الكثير من الشباب عن صعوبة وجود “برتوش مناسب”، أولا، يرفض بعض المغاربة كراء المنزل لشاب “عازب” مخافة تحويله إلى مكان لممارسة الجنس، خاصة إذا كان الجيران عبارة عن “أسرة “. ثانيا، تموقع منازل الكراء في الأحياء الشعبية، فكراء “برتوش” في حي شعبي مغامرة كبيرة خوفا من مضايقة سكان الحي ومراقبتهم. ثالثا، ثمن الكراء الباهظ ما يستلزم أداء جماعيا يتقاسمه أربعة شباب ما يعقد مسألة تدبير الأنشطة الجنسية وتداخلها.
و بهذا ف البرتوش” المثالي هو البرتوش الفردي، أو الثنائي المتموقع في حي غير مكتظ سكانيا، ومتسامح مما يسهل عملية الدخول والخروج ويقلل من احتمالات تداخل المناسبات الجنسية، وكذلك مجهز بسرير مريح وحمام وتلفاز… لكن كيف يتم تدبيره؟
أولا هناك التدبير المالي، في حالة الكراء الجماعي يتكلف أحد المكترين بجمع حصة كل مكتري وأداء فواتير الماء والكهرباء. ثم هناك التدبير الصحي، أي تنظيف غرف “البرتوش” ومرحاضه وغسل أوانيه وأفرشته، وقد يتم استئجار خدمات عاملة نظافة للتكلف بهذه المهمة. وهناك التدبير الأمني، أي اتخاذ كل الإجراءات التي تصب كلها في معنى “السترة” عند الدخول والخروج. وهناك التدبير الزمني، تقسيم أيام استعماله تفاديا لكل تداخل قاتل.
و أخيرا، يمكننا القول أن القليل من الشباب يستطيع توفير “برتوش” من أجل ممارسة طقوسه الجنسية، نظرا للرفض الاجتماعي و القانوني، وغالبا ما تمارس في أماكن غير مريحة سيارة، غابة، تحت صخور الشاطىء، أو في درج عمارة. و في غيابه تستمر معاناة الشباب والأزمة النفسية التي ترافق إمكانية الممارسة وغياب “البرتوش”.