جريمة الطفلة ابتسام موجاهد، هكذا مرت الأحداث

صرخة28 مارس 2021
صرخة
مجتمع
جريمة الطفلة ابتسام موجاهد، هكذا مرت الأحداث

بقلم: عبد الحليم زوبير.

ابتسام موجاهد (هكذا بالواو) طفلة في ربيعها الثالث عشر من مواليد 2008، تعيش بدوار توريرت انتلاس بجماعة اتليت دائرة فم زكيد إقليم طاطا، في أسرة فقيرة كمعظم سكان هذه المنطقة من الجنوب الشرقي للمغرب، لأبيها سعيد موجاهد المزداد سنة 1976 وأمها فاضمة تلاتين المزدادة سنة.. رابعة ثلاثة إخوة هي أكبرهم يليها محمد علي المزداد سنة 2012م ثم الثوأمان سعد وأسعد المزدادان سنة 2018م. الأب كمعظم سكان قريته لا يملك دخلا قارا، ويبحث عن لقمة العيش بأسباب مختلفة (طالب معاشو)، ومن تلك الأسباب مساعدته لتاجر دجاج بالسوق الأسبوعي المستحدث بمركز اتليت على بعد ثلاث كلمترات تقريبا من بيت سعيد..
بعد التاسعة صباحا من يوم الإثنين 22 فبراير 2021م، جاءت حكيمة ألواح جارة الأسرة ذات 23 سنة جارة ابتسام لبيت الأسرة تريد مرافقة ابتسام للسوق الأسبوعي، وبعد أن استأذنت ابتسام والدتها وتناول الفطور سلمت الأم ابنتها ابتسام قائمة الحاجات الأساسية للبيت من السوق، ووجهت ابنتها لتأخذ المبلغ المطلوب لشراء تلك المستلزمات من والدها الذي بكر كعادته للسوق، وانطلقت ابتسام وجارتها جكيمة نحو السوق حوالي الساعة التاسعة صباحا.
لم تسلك ابتسام وحكيمة الطريق الرئيس كما جرت عادة المتسوقين نحو السوق، واختارتا سلوك الطريق الذي يمر وسط دوار توريرت انتلاس، وانحدرتا بين الحقول وتجاوزتا معا الدوار القديم وقبل أقل من 100 متر من تجاوز أطراف الدوار في اتجاه السوق، توقفت الرفيقتان للشرب من مياة السقاية التي يستقي منها سكان الدوار الماء الصالح للشرب، على قارعة الطريقة وفي منطقة مكشوفة..
هنا وحسب رواية حكيمة فإن ابتسام اختلقت عذرا لتفارق رفيقتها، حيث ادعت أنه يلزمها الرجوع للبيت حيث تذكرت أن عليها إحضار مبلغ 420 درهما طلب منها أبوها إحضارها له للسوق.. ولم تكن حكيمة حسب روايتها مستعدة لترجع معها كل تلك المسافة وطمأنتها ابتسام بأنها تستطيع الرجوع لبيتها بمفردها، ولم يؤكد هذا الخبر سوى السيد محمد بلقاس الذي أكد في شهادته أن حكيمة مرت أمامه وألقت عليه السلام وكانت بمفردها، بعدما تجاوزتا المكان المفترض لافتراق الرفيقتين، وكل الذين شاهدوا ابتسام شاهدوها مع رفيقتها حكيمة قبل أن تصلا ذلك المكان في أكثر من نقطة وهما يتابعان السير نحو السوق، قبل أن يتوقفا للشرب وتتابع حكيمة طريقها للسوق وحدها –حسب روايتها- بينما اختفت ابتسام منذ تلك اللحظة..
بعد ساعتين تقريبا أحست السيدة فاضمة أم ابتسام أن ابنتها أبطأت أكثر من اللازم، فتوجهت لبيت حكيمة لتخبرها حكيمة بما وقع وهنا بدأت رحلة البحث عن ابتسام.. الرحلة التي ظن الجميع أنها ستنتهي بالعثور على ابتسام في بيت إحدى زميلاتها.. لكن القضية بدأت ولم تنته لحدود الساعة..
فور انتشار الخبر هرع السكان جميعا للبحث عن ابتسام لا يغادرون حقلا ولا بئرا ولا بيتا مهجورا ولا واديا ولا جبلا إلا أشبعوه بحثا.. ودام بحث السكان عن ابنتهم مساء يوم الاثنين وطوال الليل دون العثور عن خبر ابتسام.. أما السلطات فقد تم إخبارها وحضرت لمعاينة الواقعة ثم عادت لحال سبيلها بعد لحظات..
طيلة الأسبوع الأول من الاختفاء جد الناس في البحث عن ابتسام بينما اقتصر دور السلطة على حضور بعض أفراد الدرك بشكل يومي.. يسألون الساكنة عن نتيجة بحثهم، طيلة هذه الأيام كان الناس يطالبون بالتفتيش الشامل للبيوت وظل أمر التفتيش مترددا لم يحسم فيه.. وفي يوم الثلاثاء 23 فبراير 2021م.. اتفق الشباب على تفتيش البيوت بشكل طوعي، وبعد أن انقسم الشباب إلى مجموعات وعزموا على التفتيش الشامل للبيوت، حضر قائد مقاطعة ألوكوم ومنع الناس من تفتيش البيوت، وتراجع الناس عن أمر البحث وداخلهم الخوف من التبعات القانونية للتفتيش.. وتعطل أمر التفتيش مجددا وتجددت الشكوك وأصبح الحديث عن تواطؤ جهات في السلطة مع الجناة..
وفي اليوم الثالث الأربعاء 24 فبراير حضر أفراد من الدرك ومعهم عناصر من القوات المساعدة وكلبان مدربان وطائرة الدروم.. وساعدوا السكان في تفتيش كل المستنقعات والبيوت المهجورة وسائر الأمكنة التي سبق وأن درعها السكان قبلهم.. ولا أثر لابتسام.. ولم يلمس السكان جدية في هذا البحث سوى أنه إبراء للذمة لأنه لم يشمل البيوت المشبوهة ولم يتعمق في واحة إيغان التي تعرف ببصخورها ومستنقعاتها الغائرة.. ولم يتم التحقيق الدقيق مع الناس كما فعلت السلطة بعد العثور على جثة ابتسام، وبالجملة فهو لم يختلف عما قام به السكان سوى ما يتعلق بحضور الكلاب المدربة..وعادت السلطة لحالها واستمر الشباب في البحث والحراسة الليلية تحسبا لقيام العصابة المفترضة بتهريب الفتاة.. وعاشت الساكنة على وقع إرهاب غير مسبوق.. كل يتوقع أن يجد الجثة ملقاة أمام بيته لتلصق به التهمة.
إلى يوم الأحد 7مارس حيث نظم شباب المنطقة مسيرة تضامنية من مركز السوق الأسبوعي حيث مقر جماعة اتليت إلى بيت سعيد موجاهد.. وكان الغضب واضحا في مداخلات الشباب ورفع الناس صوتهم عاليا لأول مرة بشعارات تضامنية وتنديدية بعجز السلطة عن القيام بالواجب.. وتردد صوت ابتسام في جامعة ابن زهر حيث نظم طلبة طاطا يوم الخميس 11 مارس وقفة تضامنية صرخت من أجل ابتسام.. ونددت بتهميش الجنوب الشرقي والاستهانة بآلام الناس هناك.
وبعد هذه الأشكال الاحتجاجية وامتناع السلطة القضائية من القيام بواجب التفتيش القضائي طرح الشباب فكرة تتعلق بتوقيع عرائض من أجل مطالبة وكيل الملك بابتدائية طاطا بإصدار أمر بتفتيش سائر بيوت الدوار على الأقل.. وفي خضم هذا الحراك المدني حضرت السلطة ممثلة في الدرك والقوات المساعدة بحضور رئيس الدرك وقائدة المقاطعة، يوم الثلاثاء 16 مارس، واستبشر الناس بتلبية طلبهم في تفتيش البيوت.. وبدأ التفتيش الشامل للبيوت.. لكنه وفي لحظة من مراحل التفتيش وبعد أن اقترب من البيوت المشبوهة توقف دون سبب وجيه وحزمت السلطة أمتعتها وعاد الجميع لحاله وسقط في يد السكان من جديد، وأصبحت الشائعة حول عصابة متحالفة مع السلطة المحلية هي سيد الموقف، وازداد يقين الناس بأن المنطقة تحت رحمة عصابة إجرامية ذات نفود على السلطات الإدارية في الإقليم.
وأصبحت الشائعة تكبر يوما بعد يوم تتغذى على بعض الرسائل التي يتوصل بها سعيد بعضها يدعي أنه شاهد الفتاة في مكان معين بعيدا عن المنطقة، وبعضها يطلب فدية مالية من أجل إطلاق سراح ابتسام، وبعضها يدعي أنه شاهد فلانا من الدوار وقد أخذها إلى مدينة بعيدة.. بالإضافة إلى الاعتقاد الشديد بأن العصابة تتضمن سحرة استطاعوا اختطاف ابتسام في واضحة النهار دون أن يشاهدهم أحد، بل ادعى بعضهم أن السحرة يتجولون مع ابتسام وسط الدوار لكن طلاسم السحر تحجب رؤيتها، وزاد من حدة هذا الاعتقاد ما أسره بعض المشعودين لعائلة ابتسام من أن الفتاة لا تزال داخل الدوار وأنها ستعود إلى بيتها بإرادتها.. ورسخت هذه العقيدة وخففت من التوجه الصارم للضغط على السلطة للقيام بواجبها، وأصبح الاعتقاد عند كثير من الناس أن السحرة طمسوا أعين الساكنة والسلطة معا، وبالتالي لا فائدة من بذل الجهد لأن الساحر سيطلق سراح ابتسام عندما تنتهي رغبته فيها.. وبقي الشباب لوحدهم يرفعون مطلب التفتيش القضائي في مجتمع لا يؤمن بالمطالب وليس لديه ما يطلبه من السلطة.
وفي يوم الأربعاء 17 مارس بعد صلاة العشاء وبينما الناشط الشبابي صابر علي وزميله الحسين يتوجهان إلى دوارهم كيوض الذي يفصله عن دوار توريرت انتلاس وادي اتليت بعد يوم طويل من العناء والبحث عن ابتسام، وبعد أن توسط الرفيقان الوادي الذي أصبح موحشا بعد انتشار شائعة العصابة الإجرامية التي اختطفت ابتسام، وبينما علي منهمك في إجراء مكالمة هاتفية نبهه صديقه الحسين إلى وجود صوت فتاة ينبعث من مغارة إيغان (واحة بوادي اتليت يقصدها الناس في المناطق المجاورة، تتكون من عدة حياض مائية يسبح فيها الأطفال والشباب في فصل الصيف تقع وسط دواوير اتليت) ولم يعر علي اهتماما للصوت في بداية الأمر، مرجحا أن يكون صوتا عاديا.. لكن وبعد أن تجاوزا الوادي إلى الضفة الأخرى أبصرا ضوءا يبتعد عنهما وكأنه يهرب.. ليختفي بعد لحظات، فبدأت شكوكهما حول الصوت تكبر، وهما كذلك إذ أبصرا ضوءا آخر على مقربة من مغارة إيغان، حينها شعر الزميلان بأن العصابة تترقبهما وتتعقب خطواتهما ولعلهم يحاولون التخلص من ابتسام عبر إلقائها في مغارة إيغان، سيما وأمر التفتيش القضائي حاصل اليوم أو غدا بسبب إصرار الشباب عليه، هنا اتصل علي بزملائه في البحث وتواعدوا على اللقاء بمقطع وادي اتليت للتحقق من أمر الصوت والضوء الذي شوهد هناك، وبعد ساعة تقريبا انضم كثير من الشباب للدعوة ودخلوا مغارة إيغان من الطرف السفلي ووصلوا إلى حوض لصطوان (كلمة أمازيغية تعني مدخل الدار) وهو أبعد نقطة في واحة إيغان يمكن الوصول إليها في ذلك الوقت المتأخر من الليل، بينما يلزم من شاء بحث الأحواض الأخرى في إيغان السباحة وهو ما ليس متاحا في ظروف البرد والليل. لكنهم وجدوا المكان خاليا لا صوت ولا أنين حتى كما توقعوا. لكن الهلع أصبح كبيرا فقد أخذ علي صبيحة ذلك اليوم إلى المستشفى وأصبح يعاني صعوبات نفسية جراء الخوف من الاحتمالات التي تساور أذهان الشباب.
إلى يوم الجمعة 19 مارس وبينما الشباب في الداخل والخارج يلحون على توقيع العرائض وتوجيهها لوكيل الملك من أجل التفتيش القضائي الشامل، والاستعداد لإنزال كبير وخوض أشكال احتجاجية على التماطل والإهمال من طرف السلطات الإقليمية والمحلية في الموضوع، وحوالي الثالثة زوالا كان هناك بالقرب من أحد أحواض واحة إيغان العميقة والملتوية والمسمى ميضان (كلمة أمازيغية معناها صاحبة الكلاب) أطفال صغار في العقد الثاني من أعمارهم من دوار أغكومي يراجعون دروسهم، اشتموا رائحة كريهة تنبعث من من حوض ميضان، اعتقدوا أن الأمر يتعلق بحيوان نافق هناك، فنزلوا إلى قاع الحوض ليفاجؤوا بجثة الطفلة ابتسام طافية على الماء.. دخل الرعب الأطفال الصغار وأسرعوا إلى بيوتهم، يسرون الخبر إلى أهاليهم، وبقي الخبر في طي الكتمان إلى أن عاد أحد الشباب بعد غروب الشمس إلى البيت ليخبره أخوه الصغير بما شاهد هو وصديقه بمغارة إيغان، هذا الشاب لم يتردد في التوجه نحو توريرت انتلاس بلدة ابتسام والتواصل مع صديقه عبد السلام الزبير من أجل مرافقته للتأكد مما حكاه الصغار، ليتصل عبد السلام بعون السلطة ويرافق صديقه إلى المكان المذكور وعاين الجثة وتأكد أنها لابتسام مجاهد، وانقطع الأمل من العثور على ابتسام حية ترزق.
حضرت السلطة ممثلة في القائد وقائد الدرك الملكي والعناصر التابعة لهم، فطوقوا المكان وبدأت التحريات والأبحات.. وفي اليوم الموالي السبت 20 مارس وبعد استنفاذ الاجراءات اللازمة من طرف الشرطة العلمية ومن يعنيهم الأمر أخذت الجثة إلى المشرحة بأكادير، وبعد نهاية إجراءات التشريح سلمت الجثة لأبيها يوم الاثنين 22 مارس وانطلقت الدعوات لحضور الجنازة والاحتجاج على الإهمال، وتجسدت صورة اللامبالاة مرة أخرى عندما أقيمت صلاة الجنازة على الطفلة ابتسام قبيل الغروب بعشر دقائق ولم يتمكن كثير من الناس القادمين من الدواوير المجاورة، وكذا الشباب القادمين من المدن الكبرى من الصلاة على الجنازة، فضلا عن أن صلاة الجنازة لا تقام شرعا عند اصفرار الشمس، ودفنت ابتسام وانطلق السؤال كيف قتلت ابتسام؟ ولماذا فشلت السلطة في العثور عليها حية أو ميتة؟
وفي اليوم الثالث من دفن ابتسام يوم الأربعاء 24 مارس نظم شباب المنطقة مسيرة تضامنية احتجاجية، حضرتها كل الدواوير المجاورة بمختلف الشرائح والأعمار، حملت عنوان كيف قتلت ابتسام؟ ومن السبب؟ وحملوا السلطات المحلية المسؤولية في الفشل عن العثور على ابتسام قبل شهر من الاختفاء المفاجئ. وكان من مخرجات هذه المسيرة تعيين لجنة محلة لمتابعة قضية ابتسام، وتعهد الجميع بالقيام بكل ما يلزم من أجل جلاء الحقيقة، وكان قرار الشباب أن تنطلق المسيرة من بيت مجاهد إلى مركز اتليت وبعد وقفة مطولة تجمع كافة الدواوير، ستنطلق مجموعة من الشباب عبر سياراتهم الخاصة إلى مركز دائرة فم زكيد لإسماع صوتهم هناك خارج جبال اتليت، لكن السلطة بأجهزتها المختلفة نفذ صبرها وحاصرت المحتجين عند مخرج دوار توريرت انتلاس ومنعتهم من الذهاب إلى فم زكيد، بدعوى قانون الطوائ الصحي، وكاد غضب الشباب أن يؤدي إلى الاصطدام مع عناصر القوات المساعدة وعناصر الدرك، لولا أن توسطت اللجنة المحلية وأخذت تعهدا من السلطة بإطلاعها على مستجدات القضية أولا بأول، وانتهى الشكل الاحتجاجي الذي دام أكثر من ثلاث ساعات، بقراءة بيان المسيرة، ورسالة موجهة إلى الوكيل العام للملك بالمحكمة الاستئنافية بأكادير. وقراءة الفاتحة والدعاء لابتسام بالرحمة والرضوان ولأهلها بالصبر والسلوان، وللمنطقة بانكشاف الغمة وظهور الحقيقة وعودة السكينة لأهل اتليت وسائر الناس في الجنوب الشرقي المنسي في المغرب العميق.

Breaking News