تبادل اتهامات وإنزالات بالغرف المهنية ومراقبة الداخلية على محك معارك في الكواليس
انطلقت الحرب بين الأحزاب بشكل مبكر، للظفر بمقاعد في أطول مسلسل انتخابي، سيشهده المغرب، نهاية العام الجاري، والذي يهم الغرف المهنية، والمأجورين، ومجالس البلديات والمقاطعات والعمالات والأقاليم ومجلس المستشارين، ومجلس النواب.
سماسرة وبيع وشراء
تهافت أصحاب ״الشكارة״ للظفر بريع مقاعد الغرف المهنية
بدا أن سلطات الوصاية، أي الداخلية غائبة عن متابعة ما يجري داخل دهاليز الأحزاب التي أضحت مثل أندية كرة القدم، يتحرك فيها السماسرة في عملية ” بيع وشراء” التزكيات عبر بوابة الترحال الحزبي الذي لم يتوقف، بل أصبح ظاهرة معترفا بها ومنح لها صفة ” القانونية”، يصفق لها الجميع تحت عبارة ” أرض الله واسعة”، ما دفع الأمناء العامين للأحزاب السياسية إلى الجلوس لطاولة الحوار قصد توقيع ميثاق شرف يمنع الترحال الذي يضرب في الصميم الديمقراطية المغربية ، ويخلط الأوراق بين من دبر الشأن المحلي، وسير المجالس لمدة ست سنوات، وبين من كان معارضا لها، ليدوسا معا الممارسة الديمقراطية، عبر تبادل الأدوار في مشهد سياسي مقرف، من خلال خوض من سير المجالس الترابية حملته الانتخابية، معارضا لحصيلة عمله، وتركيز من كان معارضا على حصيلة عمل من كان يدبرها.
ولم تصدر وزارة الداخلية أي بلاغ تحذير، طبقا لتعليمات الملك الذي انتقد بحدة السياسيين الذين يتلاعبون بالناخبين، وعبر عن فقدانه الثقة في مثل هذا النوع من الذين ألفوا الفساد وينظرون إلى الوطن مثل بقرة حلوب، بإنفاق الملايير من المال على الانتخابات، واسترجاعها عبر تعطيل المشاريع التنموية، أو تحويل ميزانيتها إلى حسابات خاصة، ما أدى إلى تأجيج الاحتقان في العديد من المدن، دفعت قوات حفظ الأمن إلى التدخل لتشتيت الوقفات الاحتجاجية السلمية، وسجلت إثرها المنظمات الحقوقية، خروقات، وتم تشويه صورة المغرب بفعل أخطاء الفاعلين السياسيين في المجال المحلي والمقدر عددهم ب32 ألف منتخب.
ويتنافس ” مالين الشكارة” للظفر بمقعد في الغرف المهنية، التي تعتبر مؤسسات ” زايدة على الوقت” أتعبت مولاي حفيظ العلمي، وزير الصناعة والتجارة الذي ثار في وجه العديد من منتخبي الغرف المهنية، الذين يهتمون بالسفريات إلى الخارج، وإقامة المعارض، لربح المال، وشراء سيارات جديدة، والحصول على الوقود مجانا، والحصول على الإيواء في الفنادق، والظهور في نشرة الأخبار بالقنوات العمومية، مستغربا استمرار مثل هؤلاء المنتخبين” الديناصورات”، الذين همهم الوحيد جمع المال، عوض تدبير مؤسسات مثل الموانئ والمطارات، وتوقيع اتفاقيات استثمار مع أجانب لنقل التكنولوجيا، وتشييد مراكز التكوين المهني الذكي، ومناطق صناعية للاشتغال فيها. كما هو الحال في أوربا التي انتعش اقتصادها بفعل العمل الذي يقوم به أيضا رؤساء الغرف المهنية ونوابهم، سواء على المستوى الصناعي أو الفلاحي، أو الخدماتي، أو التجاري أو حتى السياسي في الجانب المتعلق بالدبلوماسية الموازية.
ولو كانت السلطات حريصة على احترام الديمقراطية لقلصت من عدد المنتخبين إلى 12 ألفا عوض 32 ألفا، وألغت مراسيم التعويضات التي سنتها حكومة عبد الإله بنكيران، كي لا يتسابق المرشحون للفوز بمقاعد، وتمزيق مراسيم مراكمة المهام وجمع الأموال. إنها لعبة السياسة والجاه التي تلعب بطريقة تبادل المنافع، والدين والسياسة، والنفوذ والمال والترحال ، و” اعطيني نعطيك”، لذلك تعثرت مختلف البرامج التنموية، رغم جودة القوانين، لأن المرشحين والفائزين، من طينة غير سوية نفسيا، فهم من سحب المال من البنوك في فترة الحجر الصحي، خوفا من أن يطلب منهم أداء المزيد من المال لأجل التضامن مع الذين فقدوا وظائفهم، أو الفقراء في مواجهة تداعيات جائحة كورونا. وهم من سيصرفون منها لشراء ذمم الناخبين، وشراء ذمم الأمناء العامين، للحصول على التزكيات، والتي توصف بلغة نظيفة إنها أموال ل ” دعم الحزب” و” التكفل بمصاريف كراء القاعات”، وتشكيل اللائحة، ومنح المساعدين في الحملة الانتخابية، وشراء لوازم الحملات الانتخابية، وهؤلاء هم أيضا من يضعون أيديهم في كل الصفقات العمومية، وهم من يسهرون على تنفيذ بعضها وبعد سقوط الأمطار يتشكون من ضعف جودتها، لأنهم يعلمون أنها مغشوشة، ولا يطبق عليهم المبدأ الدستوري ربط المسؤولية بالمحاسبة.
والطامة الكبرى أنه يوجد بالمغرب 34 حزبا، التي لا يوازيها قط 34 مشروعا مجتمعيا، ما يفرض حل الأحزاب التي لا تنشط إلا في الانتخابات، أو دعوة الداخلية لها كي يتم دمج بعضها في بعض، لأن المغاربة ملوا من أن توزع أيضا أموالهم المتأتية من الضرائب غير المباشرة على نسبة كبيرة من هذه الأحزاب، خاصة المفسدة منها، وتقارير مفتشية وزارة الداخلية والمالية وتقارير المجلس الأعلى للحسابات والمجالس الجهوية، دليل على ذلك.
حصانة مفسدين
فقد المغاربة الثقة في الأحزاب، لأنها لم تقم بواجبها في تأهيل نفسها، وطرد المفسدين منها، أو إحالة ملفاتهم على القضاء، وتأخر السلطات في مباشرة التفتيش والافتحاص التي يجب أن تتم مباشرة بعد مرور سنتين على بدء المدة الانتخابية، وليس بعد انتهاء الولاية الانتدابية، حتى لا تتعطل آلية المبدأ الدستوري ربط المسؤولية بالمحاسبة لإعمال المراقبة على المنتخبين قبل إنفاق المال العام وتبديده.
ولا بد من مراجعة فلسفة الانتخابات بصفة عامة، ووظيفة كل المجالس الترابية والغرف المهنية، والمؤسسات الدستورية، وعدد الأعضاء والتعويضات المالية المخصصة لهم، وإجراء المراقبة الدائمة عوض البعدية التي تسببت في حصول كوارث، فالمغاربة ملوا من قوانين تصنع على المقاس، وتخدم المصالح الفئوية على حساب مصالح الشعب.
أحمد الأرقام