لعل ما يجعلنا مطمئنين إلى حد كبيير، للعمل الجبار الذي تقوم به وزارة الخارجية، وحنكة الوزير بوريطة، هو ما يجعلنا نزداد اقتناعا بأن ما يخصنا اليوم ليس التشدق بالمبادئ وإنما التعريف بها، ما يخصنا اليوم هو ثورة في الوعي السياسي لاستثماره دبلوماسيا.
افتتاح القنصليات انحصر في انتصار سياسي للمغرب، وشخصيا أعتبره أكثر من انتصار، فهو ترجمة للسياسة المغربية كما أطرها صاحب الجلالة، على اعتبار تعاون جنوب جنوب لا يكون إلا من الجنوب. ويمكن الجزم أن أول افتتاح لقنصلية لدولة الكوت الديفوار التي تربطها علاقات تاريخية عريقة مع المغرب، وقرار افتتاحها لقنصليتها ليس مسألة استثنائية أو فجائية، بل هو نتيجة التراكمات والانتصارات التي حققها المغرب في القارة الإفريقية، سواء على المستوى السياسي والاقتصادي والديني والأمني.
المغرب كان بحاجة خلال السنوات الأخيرة إلى هندسة دبلوماسية متعلقة بالدفاع عن الوحدة الترابية، نتائجها بدأت بالعودة إلى الاتحاد الإفريقي، كما أن احتضانه لأشغال الـ 12 لمجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي له دلالة كبيرة، وأخيرا تنظيم كأس إفريقيا بالعيون، كل هذه الأمور لا تأتي من عدم، بل هي نتيجة عمل يومي.
مفهوم القنصلية في اتفاقية فيينا:
نقف في اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية لعام 1963 على تعريف دقيق تعتبر بموجبه القنصلية بمثابة معاهدة دولية تحدد إطارا للعلاقات القنصلية بين الدول المستقلة، وتؤدي وظيفتين:
1- حماية مصالح مواطنيهم في البلد المضيف.
2- تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين.
ففي الشق الأول نجد السياسة المغربية الجديدة في الهجرة وتسوية أوضاع المهاجرين حاضرة في بعدها التنظيمي، بحيث نقف أن اغلب مهاجري غامبيا وجزر القمر و الكوديفوار يستقرون بمدن الجنوب، بالإضافة إلى منفذ موريتانيا الذي يسجل دخول مهاجري جنوب الصحراء إلى المغرب، وهو ما يفرض على دوله العمل على حماية مصالح رعاياها بالمغرب بشكل عام ومدن الجنوب بشكل خاص.
من جهة أخرى، دلالات هذا التوجه الأفريقي بفتح قنصليات في منطقة الصحراء المغربية في بعدها السياسي المتمثل في تقبل المغرب بجغرافيته وتاريخه، وهو إقرار بالموقف المغربي الذي انتصرت إليه مجموعة من الدول الأفريقية منذ بداية النزاع حول الصحراء أواسط السبعينات.
قرار ملكي سديد بالعودة إلى إتحاد الإفريقي:
لم يكن المغرب ليقفز خطوات سياسية في ملف الصحراء لولا التوجيهات الملكية السامية، وتتبع ملكي حريص لقضية الصحراء التي تشغل بال المغاربة، على اعتبار أن آباءنا وأجدادنا ضحوا لطرد الإستعمار الإسباني بالجنوب وكذا رد الهجمات التي قامت بها جبهة البوليساريو بدعم من الجزائر وليبيا وبعض دول أمريكا اللاتينية.
الجنود والمجندون المغاربة أعطوا درسا في الإيثار والتشبث بكل حبة رمل من ارض الصحراء، ما يجعلنا اليوم نؤمن بقناعة تقول انه لا يملك احد حق التخلي عن حبة رمل واحدة في الصحراء ولم يعد احد يملك حق التخلي حتى عن حرف واحد من اسم الصحراء المغربية.
العودة للإتحاد الإفريقي ساهم في معرفة واعطاء العلاقات الاستراتيجية المغربية الأفريقية زخما كبيرا، وكذلك انتصارات راكمها المغرب سواء على المستوى الأوروبي واتفاق الصيد البحري الذي شمل الأقاليم الجنوبية أو بمجلس الأمن والقرارات التي تصب في خدمة الوحدة الترابية للمملكة والدعم الأممي لمبادرة الحكم الذاتي كحل لنزاع الصحراء.
الجزائر تندد أكثر من البوليساريو:
حسب بيان لوزارة الخارجية الجزائرية، فإن قرار غامبيا فتح قنصلية بمدينة الداخلة، هو “عمل استفزازي” وخرق للقانون الدولي، والغريب في البيان انه يتعارض مع ما تدعيه الحكومة الجزائرية كونها بعيدة عن مشكل الصحراء وان جبهة البوليساريو هي الوحيدة المعنية بالملف، ويضيف البيان وأضاف المصدر ذاته: “هذا العمل الاستفزازي، الذي يهدف إلى تقويض عملية تسوية مسألة الصحراء التي تتم تحت رعاية الأمم المتحدة، ينتهك القواعد والمبادئ التي تحكم وضع الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي ” هنا أيضا ووفق البيان الصادر عن وزارة الخارجية الجزائرية نجدها تتوافق مع الحكم الذاتي حسب ما جاء في البيان بالحرف، هنا يمكن ان نقف على فرضيتين إما أن تكون الجزائر أصدرت بيانا فقط لإصداره، ليبقى زوبعة في فنجان، أو أن الخارجية الجزائرية لا تستوعب ما تريد وما تقول، وهنا نتأسف لأننا لسنا في موقع إعطاء الدروس.
وزارة الشؤون الخارجية الجزائرية قد أكدت تلك القرارات أي افتتاح قنصليات بمدن الجنوب ما يلي “تخالف كذلك قواعد العلاقات بين البلدان الإفريقية الملزمة بالامتثال في أي ظرف من الظروف بقواعد وبمبادئ الاتحاد الإفريقي التي تتطلب واجب الوحدة والتضامن بين البلدان المؤسسة للاتحاد”. وهنا نجد الأمر غريبا جدا فهي تتحدث عن الوحدة والتضامن بين بلدان الإتحاد الإفريقي، ونسيت ما إلى للمغرب كبلد جار من واجب الاحترام والتضامن، بعض الدول الإفريقية قررت افتتاح قنصلياتها والتدخل أو معارضة هذا العمل الديبلوماسي ينم على ديكتاتورية ووصاية لا يحق للجزائر أن تمارسها على دول إفريقيا، فالجزائر دولة في إفريقيا فقط وليست قارة إفريقيا.
وبما انه فرض علينا ان نعطي لكل ذي قيمة قيمته، سنعمل في مقالاتنا المقبلة على الوقوف العلمي الدقيق على إمكانيات الجزائر والمغرب والمقارنة بينهما.و لا نبحث في هاته المقالات المستقبلية التي سنتحف قراءنا بها على نشر العدائية والتقليل من شأن دولة جارة، ولكن فقط لنوضح مكامن الخلل، مصداقا لقوله تعالى : ” وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ”.
الحسين بكار السباعي
ممثل المنظمة الدولية IOV التابعة لليونسكو بالصحراء المغربية .
رئيس مرصد الجنوب لحقوق الأجانب والهجرة.
باحث في الإعلام والهجرة وحقوق الإنسان.