هل سيثير الملك موضوع الأزمة بطريقة مباشرة في خطابه أم سيكتفي بإشارات ضمنية ؟ هل سيصدر عفوا شاملا عن معتقلي هذا الملف ؟ هذين أبرز سؤالين تكررا وشغلا الرأي العام قبيل الخطاب الملكي بمناسبة ذكرى توليه العرش وهو الخطاب الذي حظي باهتمام بالغ من طرف المغاربة ، أولا بحكم أنه الخطاب الأول الذي يلقيه الملك منذ اندلاع أزمة الريف لذلك فقد كان التركيز منصب بالكامل عما سيقوله الملك في هذا الشأن .. وثانيا بحكم قرار الملك بأن يلقي هذا الخطاب قبل يوم واحد من ذكرى عيد العرش وهي سابقة في التاريخ المغربي لأنه جرت العادة أن يكون الخطاب يوم عيد العرش ..
لقد كان متوقعا جدا أن يتفاعل الملك من خلال خطابه مع نبض الشارع الريفي والشارع المغربي عموما حتى أن كثيرين توقعوا أن يكون خطابا مشابها لخطاب 9 مارس 2011 الذي أعاد من خلاله الملك بناء التوازنات كما أعاد عبره بناء جسر الثقة بين الشعب والدولة قبل أن يتهدم هذا الجسر من جديد بفعل عقلية الدولة الكلاسيكية ومنطقها الذي رفض كل تغيير يهدد صلاحياتها ..وبالفعل فقد خصص الملك خطابه الصادم والصادق غير المسبوق لما يعرفه المغرب و ما يعرفه الريف من احتجاجات ،مؤكدا بلغة مباشرة أنه لا فرق بين الشمال والجنوب ولا المدن والقرى برغم تواجد العديد من المفارقات الصارخة التي يصعب القبول بها في مغرب اليوم والتي تشكل بصمة خزي .
هذا وقد أشار الملك لأحداث الحسيمة بطريقة مباشرة محملا المسؤولية للمسؤولين وللهيئات والأحزاب السياسية الذين عوض أن يقوم كل طرف بواجبه انزلق الوضع إلى تقاذف المسؤولية و حضرت الحسابات السياسية الضيقة وغاب الوطن فضاع المواطن ..ثم أكد أن هكذا مسؤولين يقفون عائقا أمام التنمية بدل أن يكونوا جزءا منها وبدل أن يتحملوا مسؤولية فشلهم فإنهم يختبئون خلف القصر ، الأمر الذي يدفع المواطنين للشكوى من الملك نفسه . هذا ولم ينس الملك في أن يشير إلى أنه نفسه لا يثق في بعض السياسيين فكيف إذن للشعب أن يثق بهم ، داعيا إلى تفعيل حقيقي لقاعدة ربط المسؤولية بالمحاسبة و انه لا أحد فوق القانون و أن الوطن فوق الجميع حيث لا فرق بين المواطن والمسؤول .
السؤال الآن، ماذا بعد الخطاب الملكي ؟ كيف ستتفاعل الدولة مع ما ورد في الخطاب ؟
إن الخوف كل الخوف هو أن يُعاوَد سيناريو ما بعد خطاب 9 مارس و أن تتعامل الدولة بمنطق ذر الرماد في عيون المغاربة الذين يتوقون للكرامة و للعدالة الاجتماعية،و يتوقون لأن تعاملهم الدولة بمنطق المساواة وتكافؤ الفرص بعيدا الإذلال وعن القمع الذي اعتادت الدولة استعماله كلما تعلق الأمر بالاحتجاجات المطالبة بالحقوق . إنه لا مجال إلا التفاعل إيجابيا مع الخطاب الملكي واعتباره نقطة مؤسِّسة لمغرب جديد مبني على اعتبار الشعب شريكا أساسيا للدولة من أجل التأسيس لوطن الكرامة ، وطن العدالة ، ووطن المساواة والحريات…أما أن تستمر الدولة في اعتبار “جزء” من الشعب عدوا لها فذاك سيقودنا نحو مزيد من الصراعات و مزيد من الصدامات التي لن تنتهي أبدا والتي ستؤثر سلبا على مستقبل المغرب بأكمله .