شكوك قوية حول وجود تواطؤ بخصوص أسعار المحروقات، فشل مخطط أليوتيس، إخفاقات مخطط المغرب الأخضر.. إنها حقا عاصفة قوية تلك التي تهب على رجل الأعمال ووزير الفلاحة، عزيز أخنوش، وقد تؤثر كثيرا على طموحاته وسعيه إلى الفوز بالانتخابات التشريعية المقبلة.
هل هي سنة سيئة على عزيز أخنوش؟ فقد وجد وزير الفلاحة والصيد البحري، وصاحب الشركة القابضة “أكوا هولدينغ”، نفسه في قلب عاصفة قوية. إذ تعرض، رجل الأعمال والملياردير المغربي وصاحب إحدى أكبر الثروات في إفريقيا، لانتقادات قوية بسبب الملف الشائك للمحروقات، بعد أن اتهم مجلس المنافسة ثلاثة من أكبر الفاعلين في قطاع المحروقات بالتواطؤ حول الأسعار، وفقا للمعلومات التي استقاها موقع “Media24” وتأكدت منها “تيل كيل”. ويتعلق الأمر بكل من “فيفو إنرجي” (شال) و”طوطال”، و”أفريقيا” التي يملكها عزيز أخنوش.
ولم تنف أي من هذه الشركات الثلاث هذه التهم بالتواطؤ الذي كان سببا في الارتفاع المهول لهوامش الربح في سوق المحروقات كما كشفت عن ذلك مجلة “تيل كيل” في ماي 2017. وباعتمادها “مسطرة عدم الطعن”، تكون المجموعات الثلاث (60% من سوق المحروقات) قد عبدت الطريق صوب إجراء مفاوضات وبالتالي تقليص العقوبة المالية إلى النصف، وفقا للمادة 37 من قانون المنافسة(…)
التقارير السيئة تتراكم
وتنضاف هذه الضربة إلى الانتقادات العديدة التي صدرت عن المجلس الأعلى للحسابات. إذ في 11 شتنبر الجاري، انتقد المجلس، الذي يرأسه إدريس جطو، عدة قطاعات يشرف عليها عزيز أخنوش. والحال أنه قبل نشر تقرير هذه الهيأة، كانت مضامينه حديث الصالونات، وتم تداول العديد من الأسماء التي قيل إنها تعرضت للتقريع من طرف مجلس الحسابات، ولكن لم يكن أي أحد يتوقع أن يكون بينها اسم عزيز أخنوش. لأنه كان، إلى حدود ظهور هذا التقرير، يعتبر محميا لا يبلغ اللوم والانتقاد، مستفيدا من حصانة قوية في تدبير شؤونه العمومية والخاص على حد سواء. حصانة يستمدها مما يظهره من قرب من الملك. ولكن هذا لم يحل في نهاية المطاف دون صدور الحكم الصارم للهيئة التي يرأسها إدريس جطو.
من بين الاختلالات الكثيرة التي أشار إليها التقرير، تلك التي تهم مخطط أليوتيس، هذه الاستراتيجية الوطنية، الذي خصص لها 6.6 ملايير درهم، والتي أطلقت في 2009 لتطوير وتحديث قطاع الصيد بالمغرب.وتكشف الوثيقة أن هذه المخطط، الذي أعده مكتب “Valyans”، لا وجود له في أي وثيقة رسمية. والحال أن عزيز أخنوش كان قد تعرض في نهاية يوليوز الماضي لسهام “مديرية الدراسات والتوقعات المالية” التابعة لوزارة المالية، والتي انتقدت بشدة حصيلة هذه المخطط الذي كان يحظى بالمدح الوفير من طرف وسائل الإعلام الوطنية. وفي هذه الانتقادات صدى للخطاب الذي ألقاه الملك في الدخول البرلماني السابق حيث دعا العاهل المغربي إلى التفكير في ” في أفضل السبل لإنصاف الفلاحين الصغار، خاصة في ما يتعلق بتسويق منتوجاتهم والتصدي الصارم للمضاربات وتعدد الوسطاء”.
وخلال استقباله للوزير الوصي على القطاع بعد أسبوع من هذا الخطاب، جدد محمد السادس “التأكيد على أهمية إدماج قضايا الشغل وتقليص الفوارق ومحاربة الفقر والهجرة القروية في صلب أولويات استراتيجية التنمية الفلاحية” حسب ما جاء في بلاغ للديوان الملكي. وقد رأى إذاك بعض المتتبعين في هذا الاستقبال الملكي تجديدا للثقة، بينما تحدث آخرون عن “إقرار رسمي بالفشل”.
نهاية المظلة الملكية
“من الطبيعي أن تتعدد الأخطاء لما نشغل نفس المنصب منذ أكثر من عشر سنوات” قال إطار من حزب العدالة والتنمية بنبرة ساخرة. فهذا القيادي في الأغلبية لا يستغرب توالي الضربات التي يتلقاها عزيز أخنوش. “كنت أعلم أن الضربات ستمطر عليه تدريجيا” يتابع محدثنا. والحال أن هذه الضربات تتوالى رغم الحصانة التي يضفيها البعض على أخنوش.
وللتصدي لصورة “صديق الملك”، انبرى محمد السادس، منذ 2013، في العديد من خطبه لنفي تفضيله لأي حزب عن آخر. واعتبر المحللون إذاك أن العاهل يشير إلى حزب “الأصالة والمعاصرة”. ولعل الأمر ينطبق اليوم على “التجمع الوطني للأحرار”. “إن معظم الأحزاب السياسية تحلم بالتقرب من القصر، فليس هناك دعم أفضل من هذا” قال أخنوش في مارس الماضي، خلال رده على أسئلة أسبوعية “جون أفريك”، دون أن يبدد الشكوك التي تمنحه روابط مميزة. مع القصر.
فهل صار هذا القرب، حقيقا كان أو مفترضا، مزعجا في الدوائر العليا؟ فأخنوش بات في طريقه ليصبح مصدرا للإشعاعات الضارة إذا ما خلص تقرير مجلس المنافسة إلى أن “أفريقيا” جنت أرباحا غير مستحقة على حساب القدرة الشرائية للمغاربة. ويقول مصطفى السحيمي، المتخصص في علم السياسة: “يقينا، محمد السادس غير مستعد لتأكيد وجود قرب كبير من عزيز أخنوش. ربما هناك علاقات شخصية، ولكن إذا صارت هذه العلاقات ضارة، فإن الملك سيحرص على تجنيب الملكية أي ضرر”، ثم يضيف “إنها نهاية ‘وضع خاص’ يظهر أن الرجل كان يستفيد منه…”.
وهذا الأمر ينسجم مع رغبة محمد السادس في إخضاع حكومة العثماني لافتحاص سياسي وبراغماتي، مع التركيز على قطاعات حيوية مثل الفلاحة والتعليم والتكوين المهني.
وقد يجسد الوزير القوي مبدا المحاسبة، الذي صار لازمة في الخطب الملكية الأخيرة، والذي ومن شأنه الرد على تزايد عدم ثقة الرأي العام في المسؤولين العموميين. وتقوم هذه القراءة على فكرة مفاده أن “الملك يعتزم بلا شك استعادة زمام الأمر والتموقع في مستوى أعلى: مستوى ضامن الاستقرار وحسن سير المؤسسات، وتعزيز دوره كحكم أسمى” يوضح السحيمي.
أخنوش غير المحبوب
بعد النتائج المخيبة للآمال التي حققها حزب الأصالة والمعاصرة، الذي كان يفترض فيه كبح هيمنة العدالة والتنمية في انتخابات 2016، جرى التلويح بورقة أخنوش. فهل أحرقت هذه الورقة؟ والحال أنه بالإضافة إلى تعرضه للتقريع من طرف المجلس الأعلى للحسابات بسبب طريقة تدبيره لوزارته، يعكس الرجل صورة سلبية بالجمع بين المال والسياسة، وهما مصدر لتضارب المصالح.
ففي 2008، وفور تعيينه وزيرا، استفادت مجموعته “أكوا” وشركاؤها الدوليون من تفويت محطة للحاويات بميناء طنجة المتوسط. وبعد عقد من الزمن، استهدفت حملة “المقاطعة” التي انطلقت بدعوة بسيطة على الفيسبوك ثلاثة مقاولات كبرى: سيدي علي، سنطرال دانون، وأفريقيا. وتجد مقاطعة شركة المحروقات المملوكة من طرف عزيز أخنوش تفسيرها، وبغض النظر عن ارتفاع أسعارها في محطات التوزيع، في قرار الحكومة التي كان عضوا فيها منذ 2007، تحرير سوق المحروقات.
وقد انعكست هذه القضية على صورته وعلى صورة حزبه، بعد أن استهتر اثنان من قادته، وهما محمد بوسعيد، الذي كان وزيرا للاقتصاد والمالية، ومنصف بلخياط، بالمقاطعين ونعتوهم بأوصاف تحقيرية. وتساءل السحيمي “كيف يمكن أن يكون صوته مسموعا بعد كل هذا؟ ما هي الإصلاحات التي يمكن أن يقدمها وهو يجر خلفه هذا الماضي؟”.
احتضار سياسي؟
ومن سوء حظه، أن “مآسي” أخنوش تحدث في سياق يطبعه الاستعداد لتعديل وزاري، وقبل سنتين فقط من موعد انتخابي حاسم بالنسبة إلى “التجمع الوطني للأحرار”، أي في وقت حساس بالنسبة إلى زعيم حزب الحمامة. “أنا متيقن من كون أخنوش قد بلغ نهايته السياسة، وعليه الانسحاب من الحقل السياسي بشكل نهائي” يقول عبد اللطيف وهبي، عضو المكتب السياسي لـ”الأصالة والمعاصرة”. فوزير الفلاحة يشكل بالنسبة إليه في الوقت الحالي “مصدر إزعاج سياسي بالمغرب، لأن مسؤوليته عن العديد من المشاكل الأساسية ثابتة. ففضلا عن فشل مخطط المغرب الأخضر وحكاية أسعار المحروقات، هناك، للتذكير، البلوكاج داخل الحكومة”.
نفس النبرة نجدها لدى أحزاب في التحالف الحكومي. إذ يقول إطار في “العدالة والتنمية”، المعروف بعدائه للأحرار، “لا يمكن أن نأمل شيئا من عزيز أخنوش، الذي قضى 12عاما على رأس وزارة الفلاحة، وحصيلته لحد الآن سلبية. حان الوقت لكي يخرج من الحكومة تطبيقا للتوجيهات الملكية، الذي دعا إلى ضخ دماء جديدة في مختلف مؤسسات الدولة”.
وماذا عن مستقبل “التجمع”؟
من جانب حزب الحمامة، مازالت تعم الثقة. “الحزب في حالة جيدة وعزيز أخنوش في حالة أفضل” يقول منصف بلخياط، عضو المكتب السياسي للحزب، الذي فضل أن يكون مقتضبا في رده، هو المتعود على الإسهاب في الكلام. أما الأطر الأخرى في الحزب فذهبت أبعد من بلخياط وركنت إلى السكوت، فيما يشبه الخضوع لقانون الصمت. ويمكن تفسير هذا الصمت المدوي في صفوف “الأحرار” بغياب أي بديل لأخنوش بين أطر حزب يهيمن عليه الزعيم الذي “شخصن” التنظيم.
ولكن أحد العارفين بالكواليس السياسية يرى أن “هذه الشخصنة قد يكون لها أثر عكسي وتدفع أطر التجمع الوطني للأحرار إلى الابتعاد عن الزعيم لأنه يراكم التوبيخات واللوم”. وقد سبق للحزب أن أبعد قادة آخرين دُفِعوا إلى الاستقالة مثل صلاح الدين مزوار الذي ترك مكانه لأخنوش، ومصطفى المنصوري الذي كان ضحية لانقلاب.
ويقول محلل سياسي إن الانتقادات الحادة التي يتعرض لها رجل الأعمال، وحصيلته الوزارية، تُحَوِّل وجوده على رأس “الأحرار” إلى “عبء وعقاب بالنسبة لحزب تنتظره معركة انتخابية في 2021”. بل إن عبد اللطيف وهبي يذهب أبعد من هذا: “التجمع الوطني للاحرار لن يفوز بالانتخابات التشريعية لـ2021، إلا إن غادر أخنوش القيادة، لأن المغاربة لن يصوتوا على رجل أعمال يجسد جزءا كبير من الفشل الحكومي و صورته مقرونة بارتفاع أسعار المحروقات”.
ولكن مآل عزيز أخنوش غير مرتبط بالضرورة بمصير حزبه. “التجمع الوطني للأحرار لا يمكنه مغادرة الائتلاف الحكومي، لأنه يتغذى ويعيش على وجوده في الحكومة” يقول وهبي. وسبق لأحد قادة حزب الحمامة أن قال لـ”تيل كيل” في نونبر 2016: “كنا ضمن كل الحكومات تقريبا منذ تأسيس التجمع الوطني للأحرار، لا نصلح للمعارضة، ليست جزءا من ثقافتنا”. وإذا كانت روح الحزب تدفع به إلى البقاء في الحكومة المعدلة المقبلة، فإن هذا قد يجري بدون أخنوش. فحسب مصدر على علم بما يجري في مفاوضات التعديل الحكومي، لا تضم القائمة الجديدة للجهاز التنفيذي الأمناء العامين للأحزاب الستة المشكلة للائتلاف، ولعل عزيز أخنوش يعيش بالتالي أيامه الأخيرة على رأس وزارة ظل يشرف عليها منذ 2007.
“كنت أعرف أن دور أخنوش في الحكومة سينتهي يوم ما. هذه قناعتي” يقول أحد قادة الأغلبية. فهل يتعلق الأمر بموت سياسي فعلي أم بتراجع تكتيكي فقط في انتظار مرور العاصفة؟(…)