“حراك الريف” من أجل إعلام الحقيقة والنزاهة والمصداقية

صرخة19 يونيو 2017
صرخة
الرأيالرئيسية
“حراك الريف” من أجل إعلام الحقيقة والنزاهة والمصداقية

جمال المحافظ

مرة أخرى يكون الاعلام العمومي في قفص الاتهام، والمناسبة هذه المرة تعامله مع أحداث الحراك الذي تشهده مدينة الحسيمة والمناطق المجاورة لها وتفاعلاته وتداعياته على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحافية، ومواكبتها الاعلامية والأسلوب المهني المعتمد من لدن القناتين الأولى والثانية ووكالة المغرب العربي للأنباء، باعتبار أن هذه المؤسسات الاعلامية منوط بها قانونيا تقديم الخدمة العمومية التي لها مواصفاتها وضوابطها التي تنص عليها قوانينها الأساسية والتنظيمية ودفاتر تحملاتها.

فموضوع تعامل وسائل الاعلام بصفة عامة، والعمومية منها بالخصوص، كثيرا ما يكون محط مساءلة وانتقاد للأسلوب الذي تقدم به المادة الصحافية، والذي يحيد في الغالب عن التعاطي المهني المعمول به الذي يقتضي الحياد والاستقلالية وتقديم الرأي والرأي الآخر، أي في النهاية إعلام الحقيقة.

والمناسبة هي تقديم “المبادرة المدنية من أجل الريف”، يوم الخميس الماضي خلال ندوة صحافية بالرباط، لتقريرها الأولي حول الأحداث التي تعرفها المنطقة، وهو التقرير الذي ينبني على الإفادات التي تلقتها هذه المبادرة خلال زيارتها إلى الحسيمة أيام 5-6-7-8 يونيو 2017، والتي التقت خلالها بممثلين عن الحركة الاحتجاجية ومنتخبين، ومسؤولين جهويين وإقليميين ومحليين، ونشطاء في المجتمع المدني، وممثلين عن السلطات العمومية.

وبغض النظر عن المستويات التي تطرق لها التقرير، والتي تهم رصد سياق الأحداث في تقاطعها مع ماضي المنطقة وحاضرها، وتوصيف لما تم رصده خلال الزيارة وتقديم قراءة أولية في الوقائع، فإن ما يهمنا هنا هو المستوى المتعلق بالتوصيات التي تضمنها التقرير في ما يتعلق بما وصفه بـ”تعاطى الاعلام العمومي” مع “حراك الريف”.

وهكذا وجهت “المبادرة من أجل الريف” انتقادا حادا للتعامل اللامهني والمنحاز للإعلام العمومي، ممثلا في قنوات الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة والقناة الثانية ووكالة المغرب العربي للأنباء. وجاء في التقرير أن هذا الاعلام “لم يشكل فضاء لإنصاف الحركة الاحتجاجية ولم يكن، في كثير منه، مراعيا لأخلاقيات المهنة وما تقتضيه من دقة التحري وموضوعية تقديم الخبر”؛ لذلك ركزت ساكنة المنطقة، حسب إفاداتها لأصحاب المبادرة، على كونها لم تُنصف من قبل الإعلام، خاصة حين تم وصف الحركة الاحتجاجية المطلبية بالخيانة والعمالة.

كما أن بعض التحليلات التي كانت تُقدم عبرهُ أدت إلى التفاعل السلبي من طرف العديدين تجاه الحركة الاحتجاجية المطلبية ومطالبها المشروعة. وطالب أصحاب المبادرة في هذا الصدد المؤسسات المعنية بـ”التدخل قصد البت في التجاوزات والتحامل الذي صدر عن مؤسسات إعلامية، أو أشخاص محددين”.

وإذا كانت المبادرة قد جددت في تقريرها التأكيد على أن “الاقتصار على المقاربة الأمنية اختيار غير سليم”، فقد دعت في توصياتها الإعلام العمومي إلى القيام بواجبه المساهم في جعل النقاش موجها إلى القضايا التي تتأسس على المشترك الوطني، والابتعاد عن المعجم التفريقي؛ لأن نتائجه وخيمة، مع فتح وسائل الإعلام العمومي أمام المحتجين والنشطاء من أجل توضيح مواقفهم.

ولم يستثن التقرير وسائط الاتصال والإعلام الأخرى من الانتقاد، بل دعاها إلى المزيد من التحلي بروح المسؤولية واحترام الضوابط المهنية في التعاطي مع أخبار المنطقة واستحضار حساسية ودقة المرحلة.

وكانت النقابة الوطنية للصحافة المغربية أيضا قد “نددت” بما اعتبرته، في بلاغ لها الأسبوع الماضي، “تقاعس وسائل الإعلام السمعي البصري العمومي ووكالة أنباء المغرب العربي عن القيام بدورها الوظيفي كخدمة عمومية باعتماد التغطية والمتابعة الإعلامية الموضوعية للأحداث والاحتجاجات، بما يضمن حق المواطن في المعلومة والخبر، ويسمح بمواكبة التطورات وفتح نقاش عمومي شفاف ونزيه بإشراك مختلف الأطراف والفاعلين للإسهام في نشر ثقافة الحوار وقيم الديمقراطية والمواطنة”.

وفي هذا الإطار، عبرت قيادة النقابة عن “استنكارها الشديد لما أقدمت عليه بعض وسائل الإعلام العمومي في أحد ربورتاجاتها بإقحام صورة غريبة لا علاقة لها بتاتا بالأحداث وبقضية الحراك الذي تعرفه منطقة الحسيمة”، داعية الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري إلى “تحمل مسؤوليتها كهيئة للضبط والمراقبة وللسهر على احترام أخلاقيات المهنة وقيم التعددية والاستقلالية والحياد المفترضة في وسائل الإعلام العمومية”.

إن الأحداث التي تعرفها المنطقة تؤكد أن الحاجة ماسة إلى نقاش عمومي منفتح على كافة الفعاليات والحساسيات المختلفة، ويمكن أن يشكل الإعلام، خاصة السمعي البصري، إحدى منصاته وفضاءاته، كما هو الشأن بالنسبة للبلدان الديمقراطية التي تجعل قنواتها التلفزية وسيلة من بين وسائل أخرى تساهم في حل بعض المشاكل السياسية والمجتمعية؛ إذ يمكن الإشارة هنا إلى ما تقوم به القنوات العمومية الفرنسية في فتح المجال لطافة الأطراف والحساسيات للتعبير عن وجهات نظرها من أجل البحث عن حلول تكون محل توافق وتفاهم، كما وقع، على سيبل المثال لا الحصر، خلال حراك ضواحي العاصمة الفرنسية باريس.

كما أن من شأن قيام النخب المغربية ذات المصداقية والتجرد بتحمل مسؤولياتها في هذا الظرف، فضلا عن تشجيع الباحثين وعلماء الاجتماع والسياسة، كما جاء في تقرير المبادرة، على الانكباب على سبر الظواهر الجديدة المرتبطة بالحركات الاحتجاجية والمطلبية كعنصر أساس في البناء الديمقراطي يستوجب الدرس والاستنتاج، وعلاقة ذلك بالتعبيرات السياسية والنقابية والمدنية باعتبارها فاعلة رئيسية في أي نظام ديمقراطي، كما جاء في ختام توصيات تقرير “المبادرة المدنية من أجل الريف”.

إننا اليوم، أكثر من أي وقت مضى، بحاجة إلى إعلام عمومي يكون إعلاما للحقيقة والمهنية مستندا على قيم النزاهة ويخدم مبادئ التعددية الفكرية والمجالية في إطار الوحدة.

Breaking News