مـــــريــــة مــــكريـــم
صادق البرلمان على قانون الصحافة والنشر رقم 88.13 و الذي لم يكن مختلفا على ما سبق للرأي العام ان اطلع عليه في مشاريع اخرى و عارض جوانب التراجع عن المكتسبات التي ضمنت فيه فيه, تلك المكتسبات التي راكمها رجال و نساء الصحافة منذ بداية الاستقلال.
غير ان الفرق اليوم هو ان الحكومة استعانت باللغة و ضوابط الصياغة من اجل اخفاء تلك التراجعات. و هو ما يتبين مما يلي:
الصياغة ذات الحمولة القانونية غير الواضحة
1-إن ما يلفت النظر هو الصيغة التي كتبت بها التعريفات لكونها لا علاقة لها بالصيغ التي تحكم كتابة القواعد القانونية ، ويمكن إجراء مقابلة بسيطة بين أي فصل من فصول ظهير 1958 المتعلق بقانون الصحافة، مع الصيغة التي كتبت بها التعارف مثلا تلك التي خصصت لها المادة 2 و اتي كتبت بلغة الاستشارات حول الصفقات العمومية التي لا علاقة لها بالعمل اليومي للصحفي الذي يجمع بين ما هو سياسي و قانوني و اجتماعي ، و كنموذج على ذلك التعريف الذي اختاره القانون للصحيفة الالكترونية، و هو التعريف الذي كتب بجمل لا يفهم منها اي شيء عندما ننتهي من قراءة ذلك التعريف، وقس على ذلك باقي التعارف الآخرى.
2-وهي تتعلق بتقنية التشريع, ذلك ان كل مشرعي العالم يتحاشون التعارف لسبب بسيط وهو أنه في القواعد الزجرية ، مثل قانون الصحافة، فإن اعتماد آلية التعريف، وهو اعتماد إطار يمكن ان يفسر بالشيئ و نقيضه في نفس الوقت، لأن التعريف يعني الالتزام بالكلمات التي كتب بها ذلك الفصل , أمام واقع متغير، وأمام موضوع متغير باستمرار وهو العمل الصحفي، فما هو قذف اليوم قد يصبح غدا معتادا و مسموحا به، والعكس صحيح، فهل ستغير التعارف كل يوم ؟.
الصياغة التي توحي بإعطاء الحق بينما هي تلغيه عند التضييق.
قراءة فصول قانون الصحافة والنشر الذي قدمته الحكومة للبرلمان تبين أنه اعتمد في كتابته على استعمال آلية معروفة في صياغة بعض القوانين في بعض الحالات, وهي الآلية التي تعطي شعور للقارئ بأنه له الحقوق التي يطالب بها عند قراءة القاعدة القانونية لكن عند تطبيق تلك القاعدة يجد المواطن نفسه أمام عكس ما قرأه ، أي أمام ضياع لحقوقه وليس حصوله عليها.
و سنحاول رصد بعض الحالات التي طبقت فيها تلك الالية.
المثال الاول
وبالرجوع الى المادة 4 من القانون الذي قدمها السيد الوزير المكلف بالاتصال على أنها مكسب للصحفيين نجدها تنص على ما يلي :
« سرية مصادر الخبر مضمونة ولا يمكن الكشف عنها إلا بمقرر قضائي وفي « الحالات التالية:
« -القضايا المتعلقة بالدفاع الوطني وأمن الدولة الداخلي والخارجي
« -الحياة الخاصة للأفراد ما لم يكن لها علاقة مباشرة بالحياة العامة
هذه المادة أحدثت آلية جديدة لم تكن موجودة منذ الاستقلال وهي الآلية التي سيجبر فيها الصحفي على الاخبار بالشخص أو الجهة التي زودته بالخبر الذي نشره ، مع أن حماية مصادر الخبر بالنسبة للصحفي هي قضية حياة أو موت له كمهني, لانه إذا كان يكشف عن مصادره فلن تبقى له مصادر أصلا ، ولنا في قضية ووتركيت احسن مثال إذ ان صحفيين الواشنطن بوست استطاعا الكشف على أخطر عملية التجسس على حزب منافس بامتناعهم عن الكشف عن الشخص الذي زودهم بالمعلومات و الذي لم يعرف الا بعد ان احيل على التقاعد و قار مفارقة الحياة ليطلع العالم على انه كان من رجال وكالة المخابرات المركزية.
فسرية مصادر الخبر بالنسبة للصحفي ليس امتيازا له و إنما امتياز للمجتمع و هي ضرورية لكشف الحقائق التي تحمي الدولة و المجتمع.
فكلمة « أمر قضائي » تعني أن رئيس الجلسة سيجبر الصحفي المتابع أمامه على الاعلان عن الشخص او الجهة التي زودته الخبر المتابع من أجله.
وبهذا انتقل الصحفي من حقه المطلق في عدم إفشاء مصادر خبره ، إلى إلزامه بالإفشاء عن ذلك الشخص أو الجهة .
ويجب أن نعترف أن العمل الصحفي هو عمل مناوئ للسلط جميعها سواء كانت سلطة الدولة أو سلطة المال أو سلطة القضاء أو اي سلطة أخرى فب المغرب أو في امريكا أو الخليج او غيهم من الدول . فدور الصحفي هو أن يبحث ويعلن ما يريد الآخرون إخفاءه لأن مهمته هي نقل المعلومة الصحيحة التي تحمي قضايا الوطن.
فالصحافي هو من يغامر ويتجاوز قواعد الحدود الصحفية الموضوعة إذا كان يتوفر على معلومة صحيحة لا غبار عليها هي في صالح الدولة والمجتمع الذي يعيش فيه , فعليه أن ينقلها علنا للرأي العام ولا يأبه بالمنع الذي ينص عليه القانون.
لكن، عندما تأتي الحكومة في دستور 2011 وتغير قاعدة حماية المصادر التي هي موجود اليوم , لأنه لا يوجد أي نص قانوني يجبر الصحفي على الإعلان عن مصادر خبره, فإنها تهدم مكسبا و حصنا صحفيا أقرت به الدولة منذ 1958 ولم تغيره حتى في زمن الجمر وزمن القهر والاستبداد , و هو الزمن الذي لم يسجل على الدولة ان سنت قانونا تلزم الصحفي بالاعلان عن مصادر خبره .الى أن أتت الحكومة الحالية التي ألغت ، بجرة قلم هذا المكسب. بينما الخطاب الذي يعلنه الحكومة و وزير الاتصال هو خطاب مناقض لما ينص عليه قانونه. مما يصعب وصف مثل هذه القاعدة الجديدة بكونها إصلاح . بل هي تراجع عن مكتسب لم تنازع فيه الدولة من قبل.
المثال الثاني
هو ما اتت به الفقرة الثانية من الفصل 5 من القانون والتي تنص على ما يلي:
« يحق للصحفيين ولهيآت ومؤسسات الصحافة الولوج إلى مصادر الخبر والحصول « على المعلومات من مختلف المصادر، باستثناء المعلومات السرية وتلك التي تقيد « الحق في الحصول عليها طبقا للفقرة الثانية من الفصل 27 من الدستور.
فصياغة هذه المادة توحي بكون الصحفي سيصبح حرا في الحصول على المعلومات التي تساعده في عمله ، لكن عند التطبيق فإن نفس الفقرة وضعت فيها قاعدة اخرى معاكسة , تمنع على الصحفيين الحصول على المعلومة عندما استثنت تلك الفقرة ، ما سمته، المعلومات التي تكتسي طابع السرية .
و أنه لا يرد على هذا بأن المقصود بالمعلومات التي تكتسي طابع السرية هي تلك المتعلقة بالدفاع و الأمن ، وذلك للأسباب التالية:
1-أن المعلومات المتعلقة بالأمن والدفاع الوطني وغيرها هي منصوص عليها في الفصل 27 من الدستور الذي تحيل عليه نفس الفقرة من نفس المادة.
2-أن الصحافي لم يبق ممنوعا فقط من المعلومات المنصوص اليها في ذلك الفصل 27 من الدستور وإنما أضاف له القانون نوع آخر من المعلومات وهي عن المعلومات التي سمتها الفقرة الأولى من المادة 5 المعلومات التي تكتسي طابع السرية دون أن تذكر تلك تسمي تلك المادةهذه المعلومات و لا الجهة التي ستحدد طابع السرية من عدمه بخصوصها. و عدم تحديد قانون وزير الاتصال تلك الجهة يعني أن اي إدارة , من غير إدارة الأمن والدفاع، ستواجه الصحفي بالطابع السري للمعلومة حسب تقديرها، وهو ما يمنع من الاطلاع عليها.
وهكذا سيلاحظ أن ظاهر المادة 5 هو أنها يعطي للصحفي الحق في الوصول إلى المعلومة لكن في الواقع والحقيقة عند التطبيق فإن الصحفي لن يغادر مكانه الحالي الذي يوجد فيه اليوم، بل سيتراجع عن ما راكمه من مكتسبات.
المثال الثالث
يتجلى من قراءة المادة 6 التي تنص على ما يلي:
« تسهر الدولة على حرية الصحافة وتعددية الإعلام
« تستفيد قطاعات الصحافة والنشر والطباعة والتوزيع من الدعم العمومي بناء على « مبادئ الشفافية وتكافؤ الفرض والحياد، وذلك لما لهذه القطاعات من دور في تنمية « القراءة وتعزيز التعددية
« تحدد شروط و كيفيات الاستفادة من الدعم المذكور أعلاه بنص تنظيمي وفق معايير « موضوعية مع الاحترام المطلق لاستقلالية المقاولات الصحفية المستفيدة من الدعم
« تلتزم السلطات العمومية بتوفير الضمانات المؤسساتية لحماية الصحفيين من « الاعتداء أثناء مزولتهم مهنتهم
« تحترم قرينة البراءة وكافة ضمانات المحاكمة العادلة في قضايا الصحافة والنشر وفقا « لأحكام الدستور والقوانين الجاري بها العمل
عند قراءة هذه المادة يدفعك الاحساس على انها تقدم إطارا قانونيا جديدا سيحمي و يحصن العمل الصحفي، بالنظر للكلمات « الكبيرة » المستعملة فيه.
لكن بالقراءة المتأنية توضح أنه تم الخلط في تلك المادة:
– بين القواعد المتعلقة بالجانب المبدئي و الحقوقي.
– وبين القواعد المتعلقة بالتنظيم المقاولتي.
– وبين القواعد المتعلقة بكيفية الحصول على الدعم.
– وبين مبادئ قانون المسطرة الجنائية.
و الكل في مادة واحدة, مع ان كل واحد من القضايا المشار اليها اعلاه لا علاقة لها فيما بينها لا من جانب موضوعها ولا مجال تطبيقاتها, مما يدفع للتساؤل عن مبرر حشر كل تلك القضايا في مادة واحدة بالرغم عن كونها لا علاقة لأحدها بالاخرى.
بالاضافة للارتباك بخصوص الجهة التي ستحمي الصحفيين هل هي الدولة ، كما هو منصوص عليه في الفقرة الأولى من المادة 6 , أم ما سماه قانون بالسلطات العمومية المذكورة في الفقرة الأخيرة، و هو ما يعني ان قانون وزير الاتصال يقر بوجود الدولة من جهة و ما سماها بالسلطات العمومية من جهة اخرى. و هو الامر غير مفهوم قانونا , لان الصحفي يمكنه ان يتتبع ويتعرف على من يمثل الدولة و يعرفه و لكنه لا يمكنه ان يتتبع ويتعرف على من يمثل السلطة العمومية.
لكن الواقع الذي تخفيه صياغة تلك المادة هو أن قانون وزير الاتصال:
1-نقل حرية الصحف والنشر من الحق الطبيعي مثل حق التنقل وغيره ، اي الحق الذي لا حدود له ولا يحتاج إلى من يحميه وهو ما اعترف به الفصل الأول من قانون الصحافة سنة 1958، ولتصبح حرية الصحافة تخضع لحماية الدولة.
وإذا علمنا أن الدولة أمام المحاكم يمثلها رئيس الحكومة، فإننا نفهم على أن حرية الصحافة ستكون تحت حماية رئيس الحكومة أي تحت حماية السلطة التنفيذية.
فهل يعقل أن تحمي السلطة التنفيذية العمل الصحافي الذي يعتبر من مهامه مراقبة و تتبع عمل السلطة التنفيذية ?.
2-أنه ليس صدفة أن تتضمن المادة 6 الكلام على المبادئ الكبرى أي حرية الصحافة وتعددية الاعلام , وفي الفقرة الثانية تتكلم على الدعم العمومي.
فقانون وزير الاتصال يربط الدعم العمومي مع مفهوم السلطة التنفيذية لحرية الصحافة وتعددية الاعلام وهو ما يجعل العمل الصحفي رهينة السلطة التنفيذية. التي تتحكم في الدعم الذي يتوصل به.
ومما يؤكد ذلك هو أن الاستفادة من الدعم العمومي لن ينظمه قانون يصدر نواب الامة. اي ان الدعم لن يدرج في الميزانية العامة للدولة حتى لا تتحكم فيه السلطة التنفيذية عنذ صرفه , وإنما سينظم الدعم بمقتضى نص تنظيمي، اي بمقتضى مراسيم تصدرها السلطة التنفيذية , اي وزارة الاتصال في نهاية المطاف باعتبارها جزء من السلطة التنفيذية , نظرا لكون النصوص التنظيمية هي من اختصاص السلطة التنفيذية التي يترأسها رئيس الحكومة. مما تصبح معه الخلاصة التي تحملها تلك المادة هي أن:
-أن موقف السلطة التنفيذية من العمل الصحافي و الصحافة, مستقبلا , سيتداخل مع دورها في تقديم الدعم المالي للصحافة. وهذا التداخل سيحكمه النص التنظيمي الذي ستصدره الحكومة ، وهو ما سيؤدي إلى تقنين تبعية الصحافة والصحافيين السلطة التنفيذية عن طرق الدعم.
هذه القيود المخفية بواسطة الصياغة الغامضة التي أتى بها القانون وزير الاتصال لم يكن يقبل بها في ظهير 1958 الجاري به العمل , فأين وجه الاصلاح في هذه المقتضيات الجديدة.
المثال الرابع
هو ما حملته المادة 7 التي قلبت كل الضوابط القانونية الجاري بها العمل سواء في المغرب أو خارجه، عندما اعتبرت الشخص ذاتي هو » مؤسسة « Etablissement
مع أن المؤسسة، هي شخص معنوي يخضع لقواعد قانونية مختلفة عن تلك التي يخضع لها الشخص الذاتي، فمثلا في العقوبات الجنائية الشخص الذاتي يمكن أن يعاقب بعقوبة سالبة للحرية إما بمقتضى الحكم أو عند رفضه أداء الغرامة ، بينما الشخص المعنوي لا يحكم عليه إلا بالغرامة.
ومثلا , كذلك , في المادة التجارية المؤسسة الصحفية هي مؤسسة تجارية بطبيعتها بمقتضى الفقرة رقم 11 من المادة 6 من مدونة التجارة بما يلزمها من الخضوع للقوانين التجارية بما فيها عقوبة الافلاس و سقوط الاهلية ، بينما الصحفي الشخص الذاتي قد يكون موظفا أو محاميا او طبيبا و استاذا جامعيا , وهؤلاء يمنع عليهم ممارسة التجارة
فقانون وزير الاتصال في المادة 6 لم يستحضر هذا التمايز بين المؤسسة والشخص الذاتي، و قام بجمعهما في تعريفه للعمل الصحفي.
بل كان من الارٍجح استعمال كلمة » مقاولة » بدل » مؤسسة » التي تنطبق على الشخص المعنوي و على الشخص الذاتي معا.
المثال الخامس
وهو ما يتعلق بالمادة 12 التي تظهر أنها تمنع الصحفي من الحصول على تمويل خارجي. غير أن نفس المادة ستستثني كل ما له علاقة بما سمته ب » بدعم القدرات و التدبير » وغيرها من العبارات العامة وهي عبارة و صياغة أكثر من فضفاضة و عامة و يمكن ان تحمل اكثر من تأويل يجعلها تنفلت من تطبيق المنع المذكور. و مثل ذلك ما تعلق بالتكوين والتأطير و التي هي مجالات التي تمول، اليوم، بالأموال الأجنبية للجمعيات وغيرها.
فالمادة 12 إنما تعطي, في الحقيقة , الشرعية للتمويل الخارجي لبعض الصحفيين وليس تنمعه عنهم . و كان على الحكومة أن تسكت على هذا الموضوع الحساس ، أي التمويل الخارجي، بدل أن تدعي شيء وتطبق عكسه.
المثال السادس
وهو الذي يتبين من الفقرة 1 و 2 من المادة 22 من قانون وزير الاتصال التي يقلب حق إصدار الصحف من مبدأ التصريح بإصدار الجريدة إلى مبدأ ضرورة الحصول على ادن بإصدارها لكن بطريقة مغلفة ، كيف ذلك ?
بالرجوع إلى الفصل 6 من قانون الصحافة الجاري به العمل منذ 1958 وكذا التعديل الذي أدخل عليه في سنة 2002 نجده يتضمن ما يلي:
« يحرر التصريح كتابة و يمضيه مدير النشر ويسلم عنه فورا وصل مؤقت مختوم « ومؤرخ في الحال ويسلم الوصل النهائي وجوبا داخل أجل 30 يوما وإلا جاز إصدار الجريدة
فهذا الفصل أسس لمبدأ الاكتفاء بالتصريح بإصدار الجريدة يقدم إلى النيابة العامة، و بعد مرور اجل 30 يوما يمكن اصدار تلك الجريدة. ولم يعط للنيابة العامة اي حق في منع اصدارها او الاعتراض على منعها ، فالأصل هو أن إصدار الجريدة مبني على التصريح بها.
لكن عندما نعود إلى نص المادة 22 من قانون وزير الاتصال ستلاحظ أنه استعان بالصياغة لإخفاء إلغاء هذه القاعدة و سن قاعدة جديدة جعلت إصدار الجرائد موقوف على الإذن وليس على التصريح، إذ تنص الفقرة 1 و 2 من تلك المادة على ما يلي:
« يمكن إصدار المطبوع الدوري أو الصحيفة الالكترونية بعد اجل شهر من تاريخ تسليم « شهادة الإيداع إن لم يتلق مدير النشر اعتراضا كتابيا معللا من طرف وكيل الملك « المختص
« »يحق للمعني بالأمر في حالة الاعتراض أن رفع دعوى أمام المحكمة الإدارية « المختصة من أجل البث في مبررات الرفض المتضمنة في الاعتراض ولا يجوز « إصدار المطبوع الدوري أو الصحيفة الالكترونية في حالة الطعن أمام المحكمة « الإدارية.
هذه المادة تعني:
- أن اعتراض وكيل الملك يمنع من إصدار الجريدة .
- أن الذي يجب أن عليه اللجوء للمحكمة ليست النيابة العامة وإنما من يريد إصدار الجريدة.
3- أن صاحب الصحيفة ممنوع عليه نشر جريدته مادام الدعوى التي قدمها لمحكمة لم يبث فيها القضاء بجميع درجاته , وهو ما سيتطلب عدة سنوات.
ألسنا هنا أمام نظام الإذن بإصدار الجريدة بدل النظام الحالي المبني على التصريح بالاصدار فقط و هل هذا التعديل هو إصلاح أم تراجع ?
المثال السابع
هو أن قانون وزير الاتصال وهو يتراجع على المكتسبات ارتكب خللا كبيرا، عندما صاغ المادة 70 التي تتعلق بالإساءة للدين الاسلامي، أو النظام الملكي أو التحريض ضد الوحدة الترابية أو القذف والسب أو المس بالحياة الخاصة لشخص الملك، أو لشخص ولي العهد أو لأعضاء الأسرة المالكة أو الاخلال الواجب التوقير والاحترام لشخص الملك.
و يتمثل ذلك الخلل في أن المادة 70 لا تنص على أي عقوبة كيف ما كانت عند ارتكاب الأفعال المشار إليها.
قد يقال أن العقوبة نقلت إلى القانون الجنائي.
نرد أن المادة 70 حددت العقوبة بالإحالة على العقوبات المنصوص عليها في المادة 102 , التي تتعلق بتوقيف المطبوع وحجب الصحيفة الالكترونية و على المادة 104 والتي تتكلم على حجز المطبوع أو حجب الصحيفة الالكترونية بينما لا ليس في المادة 70 أي إحالة على القانون الجنائي .
و من المعلوم أن من مبادئ التشريع في القوانين الزجرية ان الفعل الواحد لا يعاقب صاحبه , قانونا, إلا مرة واحدة وبقانون واحد . ولا يمكن معاقبة فعل واحد مرتين و بعدة قوانين زجرية .
و النتيجة التي اغلفها قانون وزير الاتصال هي ان من ارتكب الأفعال المنصوص عليها في المادة 70 من المشروع لن يعاقب إلا بالعقوبات التي تنص عليها المادتين 102 و 104 من نفس المشروع. ولا يمكن معاقبته, قانونا , مرة ثانية بقانون اخر و بالأحرى إذا كان القانون الجنائي للأسباب التالية:
1-أن المادة 70 لا تحيل في العقوبة على القانون الجنائي.
2-أن تلك المادة حددت نوع العقوبة وحصرتها فيما هو منصوص عليه في المادة 102 و 104.
3-أن هذا الفراغ حاولت الحكومة تداركه بعرضها, بشكل مستعجل, بعرض مشروع قانون 73.15 الذي يرمي الى تغيير و تتميم الفصل 267 و 299 و 179 من القانون الجنائي لتحديد عقوبة جديدة في إطار القانون الجنائي على الافعال المذكورة في المادة 70 ، وهو المشروع الذي صادق عليه مجلس النواب 10/5/2015 بينما صادق عليه مجلس المستشارين في يونيو 2016 وهي فترة قياسية تترجم الارتباك الكبير في عملية التشريع.
4-أن الحكومة، وإن عدلت الفصل 179 من القانون الجنائي إلا أنها نسيت أن تعدل الفصل 444 من القانون الجنائي، الذي ينص على أن جرائم القذف يطبق عليها قانون الصحافة، وليس القانون الجنائي، إذ ينص ذلك الفصل على ما يلي:
« القذف والسبب العلني يعاقب عليها وفقا ظهير رقم 1.58.378 المؤرخ في 3 جمادى الأولى 1378 موافق 15/11/1958 المعتبر بمثابة قانون الصحافة
فالحكومة وضعت القضاء في مأزق في حالة المس بالدين الاسلامي أو الاحترام الواجب الاحترام للملك او الوحدة الترابية او غيرها من الثوابت المذكورة في المادة 70 , فهل سيطبق القاضي:
-الفصل 444 من القانون الجنائي الذي يحيل على قانون الصحافة الذي قدومه السيد وزير الاتصال اخيرا و الذي لا يعاقب على الافعال المذكورة في المادة 70 جنائيا ?
-أم سيطبق الفصل 179 من القانون الجنائي في الوقت الذي يلزم القانون الجنائي في الفصل 444 من نفس القانون عدم تطبيق القانون الجنائي .
وهكذا يتضح الارتباك الذي توجد فيه الحكومة عندما قدمت القانون المتعلق بجنح الصحافة، بنيما كان عليها أن لا تنسى تعديل الفصل 444 من القانون، مادام إرادتها واضحة في كونها ستخضع الصحافين للقانون الجنائي وستخرجهم من حماية قانون الصحافة, وهو قرار سيجل عليها في تاريخ الصحافة ببلادنا.
المثال الثامن
وهو ما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة 74 التي ورد فيها ما يلي:
« يمنع انتهاك سرية التحقيق والمس بقرينة البراءة أثناء مباشرة المساطر القضائية قبل « مناقشتها في جلسة عمومية.
كما حدد المشروع لمن ينتهك سرية التحقيق عقوبة مالية ما بين 10.000,00 درهم إلى 100.000,00 درهم.
لكن السؤال الذي لم يلتفت له قانون وزير الاتصال هو عندما يدلي وكيل الملك بتصريح حول اعتقال مجرم معين فهل سيعاقب هو كذلك بنفس العقوبة، مادام أن الفقرة الأولى من المادة 74 هي قاعدة عامة لا تستثني أي أحد بما فيهم وكيل الملك.
المثال التاسع
المادة 91 التي ستخضع الصحفيين للقانون للقانون الجنائي.
نعلم جميعا أن القانون الجنائي لسنة 1962 منع معاقبة الصحافيين عن المخالفات التي يرتكبونها و المتعلقة بعلمهم الصحفي بالقانون الجنائي و احال معاقبة تلك المخالفات على العقوبات المنصوص عليها في قانون الصحافة.
كما أن القانون الجنائي لسنة 1962 لم يكتف بالنص على ذلك في صلب القانون وإنما أحدث آليتين لتطبيق ذلك المبدأ أي مبدأ عدم خضوع الصحفي للقانون الجنائي و خضوعه فقط لقانون الصحافة هما:
-الأول: عندما نص في الفصل 444 على ما يلي:
« القذف والسب العلني يعاقب عليها وفقا للظهير رقم 378-58-1 المؤرخ في « 3 جمادى الأولى 1378 موافق 15 نونبر 1958 المعتبر بمثابة قانون « الصحافة.
علما القانون الجنائي وإن عرف القذف في الفصل 442 وعرف السب في الفصل 443، إلا أنه عندما أراد يعاقب على تلك الافعال الزم المحكمة بالرجوع الى قانون الصحافة و اخرج الصحفي من القانون الجنائي.
-الثانية: هو أنه لا وجود في القانون الجنائي لسنة 1962 لأي نص يعاقب الصحفي على جنحة من جنح الصحافة.
وأنه يتبين أن القانون الجنائي لسنة 1962 أقفل الباب على النيابة العامة ومنعها من أن تتابع الصحفي بصفته هذه إلا في إطار قانون الصحافة وأن لا يتابع ولا تطبق عليه القواعد ولا العقوبات المنصوص عليها في القانون الجنائي.
وأن الدولة احترمت هذه القاعدة حتى في الأزمنة الصعبة التي عرفها المغرب إذ لم تقدم الدولة، في سنوات الستينات والسبعينات وبداية الثمانينات على تغيير قانون الصحافة قصد اخضاع الصحافيين للقانون الجنائي.
لكن سيسجل لحكومة وزير الاتصال أنها هي من بادرت إلى إخراج الصحافيين من حماية قانون الصحافة وإخضاعهم للقانون الجنائي الذي يطبق على جرائم الحق العام من سرقة وقتل واغتصاب.
فما هي القوانين التي ستطبق على الصحافيات و الصحافيين بعد نشر القانون المشار اليه اعلاه ?.
لكي نجيب بدقة على السؤال يجب أن نعود إلى القانون المقدم من قبل وزارة الاتصال و المتعلق بالصحافة و النشر, لنكتشف بكل وضوح أن الحكومة تراجعت عن مبدأ عدم خضوع الصحفي للقانون الجنائي وأحدث قاعدة جديدة تلزم المحكمة بتطبيق للقانون الجنائي في حق الصحافية و الصحافي.
وبالفعل فإنه بالرجوع إلى المادة 91 من القانون المتعلق بالصحافة والنشر نجده ينص على ما يلي:
« تقع المتابعات والمحاكمات و التنفيذ بالنسبة للجرائم المنصوص عليها في هذا « القانون وفق الأحكام العام، مع ……………..
وأنه من الواضح بالنسبة لرجال القانون سواء كانوا قضاة أو محامين أو مستشارين قانونين ان المعنى القانوني لجملة » الأحكام العامة » هو تطبيق القانون الجنائي، في مقابل الأحكام الخاصة التي تعني قانون الصحافة. كما هو الحال عندما نتكلم على الاحكام العامة في القانون المدني و نقصد بها القانون المدني.
وأنه لا يمكن الرد على هذا بكون المادة 91 تتضمن كلمة » مع مراعاة الاستثناءات المبينة بعد « لسبب بسيط وهو أن ما تضمنه القانون من فصول لا نجد من بينها ما يمنع المحكمة من تطبيق الفصل 90 من القانون الجنائي الذي يمنع الصحفي من ممارسة مهنة الصحافة وإغلاق مقر الجريدة.
و بالتالي يحق للمحكمة المعروض عليها شكاية ضد صحفي و هي تطبق « الأحكام العامة » المنصوص عليها في للفصل 91 من قانون وزير الاتصال أن تحكم على الصحفي بالمنع من ممارسة المهنة وهي عقوبة ينص عليها القانون الجنائي ، أي الأحكام العامة في المادة الجنائية . و لا ينص عليها قانون الصحافة.
المثال العاشر
هو ما تنص عليه المادة 98 التي تتضمن ما يلي :
« علاوة على الأسباب المحددة قانونا، تسقط الدعوى العمومية بسحب الشكاية « من طرف المشتكي، إذا كانت لازمة لتحريكها.
من يقرأ هذه الصياغة يفهم بأن القانون المغربي لا يوجد فيه أي قاعدة تقول بأن سحب الشكاية تؤدي إلى سقوط الدعوى عندما تكون الشكاية ضرورية لتحريكها، بينما هذه القاعدة منصوص عليها في الفقرة الأخيرة من المادة 4 من قانون المسطرة الجنائية التي تنص:
« تسقط أيضا بتنازل المشتكي عن شكايته إذا كانت الشكاية شرط ضروريا للمتابعة عالم « بنص القانون على ذلك
وهكذا يتبين أن صياغة المادة 98 تضمن قاعدة وكأن المغرب لا توجد فيه قانون سابق ينظم نفس القاعدة القانونية. و ان قانون وزير الاتصال هو من ادخلها للقانون المغربي لأول مرة في تاريخ المغرب و كان يكفي الحكومة ان ترجع و تقرأ الفصل 4 من قانون المسطرة الجنائية الجاري به العمل في المغرب منذ قرون .
المثال الحادي عشر
هو ما كتب في الفقرة الأخيرة من المادة 92 من حق مدير النشر المطالبة بإعفائه من الحضور في الجلسة عندما تحققت الشروط المنصوص عليها في تلك الفقرة، إذ ينص على:
« علاوة على حالات الاعفاء من الحضور إلى الجلسة المنصوص عليها في قانون « يعفي مدير النشر من الحضور بموجب رسالة معللة للمحكمة يثبت فيها مدير النشر « تزامنا مع تواريخ استدعائه مع وجود جلسات أخرى تتعلق بقضايا الصحافة.
إن القراءة العادية للفقرة يظهر وكأنها حق جديد أعطي للصحافي المتابع بينما هذا الاجراء اي الاعفاء من الحضور هو موجود في قانون المسطرة الجنائية منذ 1959.
غي ان ما تخفيه تلك المادة هو ان المحاكمة ستستمر في غياب الصحفي ودون أن يتاح له تقديم رأيه كصحفي في الشكاية.
بينما كان يجب أن ينص, لو كانت القانون يريد ان يحمي حقوق الصحفي في الدفاع عن نفسه على وجوب أن تأخر الملف لجلسة أخرى حتى يتمكن الصحفي من الحضور.
المثال الثاني عشر
هو ما نصت عليه المادة 96 التي ورد فيها ما يلي:
« إذا طالبت النيابة العامة بإجراء بحث يتعين عليها أن يحدد في طلبها بيان ووصف « الوقائع التي ستشكل موضوع البحث وإلا ترتب على ذلك بطلان المتابعة
ذلك أن هذه المادة لا تستحضر أن المتابعة تتحرك في أغلبية الحالات بواسطة شكاية مباشرة، اي شكاية من المتضرر وليس من النيابة العامة
وبما أن المادة 96 سنت قاعدة عامة وبدون اي استثناء ترمي الى بطلان المتابعة في الحالة التي تطالب النيابة العامة بإجراء بحث في شكاية مباشرة مقدمة من قبل المتضرر، ولا تحترم ما ينص عليه تلك المادة، فإن المحكمة ستقضي ببطلان المتابعة التي حركها المتضرر.
وهذه القاعدة لا منطق ولا روح ولا معنى لها
كما أن الأثر الذي نصب عليه تلك المادة هو بطلات المتابعة لا علاقة به مع طلب البحث لكونه لاحق على صحة من عدم صحة المتابعة التي استدعي إليها المشتكى به . وهكذا يتأكد طابع الارتباك التي كتبت به الحكومة قانون الصحافة والنشر
المثال الثالث عشر
يظهر من خلال الخطاب الرائج اليوم أن هناك إرادة سياسية لإلغاء العفويات الحبسية على الجرائم المرتكبة بواسطة الصحافة وهو خطاب أراد أن يستجيب إلى مطالب ترمي إلى عدم معاقبة الصحفي على فعل أضر بالغير بالعقوبة الحبسية.
لكن، قراءة القانون المصادق عليه يتبين منه ان العكس هو الذي سيصادفه الصحفي مستقبلا إذ سيتعرض للعقوبة الحبسية بشكل نافد .
ومن أجل توضيح هذه النتيجة، أي كون القانون سيخضع الصحفيين للعقوبة الحبسية النافدة، وليس سيلغيها من المفيد الرجوع للملاحظات التالية:
الملاحظة الأول
إن إلغاء العقوبة الحبسية في القانون و تعويضها بالرفع من الغرامات يؤدى الى تهديد الصحفي بالحبس النافذ بدل حبس مقوف التنفيد او غرامة قليلة .
فمثل عندما ترفع الغرامة إلى 100.000 درهم كحد أدنى و 300.000,00 درهم كحد أقصى في الجريمة المنصوص عليها في المادة 80 من القانون علما أن نفس الفعل نفس الفعل المجرم يعاقب عليه الفصل 52 من قانون الصحافة الحالي بعقوبة الحبس تتراوح بين شهر واحد و سنة واحدة وغرامة من 10.000.00 و 100.000.0 درهم و احدهما فقط .
فمن هو الأفضل بالنسبة للصحفي هل العقوية الحالية أم العقوبة التي سنها القانون الي صادق عليه البرلمان .
لتوضيح الجواب على هذا السؤال لابد من الإشارة إلى ما يلي:
1-ن قانون الصحافة الحالي يضع بين يدي القاضي إمكانيات متعددة لتطيبق العقوبة المنصوص عليها في الفصل52 المذكور وهي :
-أما أن يحكم بالغرامة والحبس النافذ الذي لا يتجاوز سنة.
-أما أن يحكم بالغرامة ما بين 10.000.00 و 100.000.00 درهم و بالحبس الموقوف التنفيذ.
-إما أن يحكم بالغرامة وحدها، وهو ما أصبح القضاء حاليا يسير فيه.،
بينما القانون الحالي ألغى إمكانية القاضي في الاختيار بين الحالات المشار إليها أعلاه و فرض عليه الحكم بغرامة مرتفعة والتي تؤدي مباشرة إلى حبس النافذ كما سيتبين في ما يلي.
ذلك أن قانون المسطرة الجنائية يلزم القاضي عندما يحكم بالغرامة أن يحدد الإكراه البدني و ذلك تطبيقا للفصل 636 منه كما الفصل 635 من نفس القانون ينص على أن الإكراه البدني هو إيداع المعني به بالسجن .
وتبين إذن أن الحكم بالغرامة لا يعني أن الصحفي ستكون له حصانة من الإيداع بالسجن، بل إن الحكم بالغرامة في المادة الزجرية، يلزم القاضي بأن يحدد مدة الإيداع بالسجن عندما يحكم بالغرامة.
2-كما هو معلوم فإن مدة الإكراه البدني محدد في الفصل 638 من القانون الجنائي وهي تتراوح بين 6 أيام و15 شهرا من السجن النافذ كل ما ارتفع مبلغ الغرامة بمعنى أنه كلما ارتفع مبلغ تلك الغرامة ارتفعت مدة الإيداع بالسجن.
وهكذا، فإن رفع الغرامة الزجرية يؤدي إلى رفع مدة الإيداع بالسجن.
وهكذا، يتبين أن الخطاب القال بإلغاء العقوبات الحبسية مع الرفع من الغرامات كما هو مبين في المشروع، لا يؤدي إلى إعفاء الصحفي من عقوبة السجن بل أنه يعرضه لها بشكل أكثر عندما يتم الرفع من الغرامة.
هذه بعض الملاحظات الاولية, علما انه ستظهر ملاحظات اخرى عند تطبيق القانون عمليا
.