علي بوجيدة الصنهاجي :
قطاع الصناعة التقليدية قطاع مهم و هو قطاع يشكل مجتمع داخل مجتمع ، و علاوة على اهميته كقطاع منتج يساهم في اقتصاد البلاد و امتصاص نسبة مهمة من البطالة (الثاني بعد القطاع الفلاحي) و كذلك له اهمية خاصة جدا لانه يحافظ على الموروث الثقافي للبلاد علاة على كل هذه المزايا فانه قطاع مهمش و غير منظم و تشوبه اختلالات عدة ان على مستوى البرامج المنزلة و التي في مجملها تهدف الى الرفع من قيمة المنتوج و تثمينه او على مستوى اعادة الاعتبار للمهنيين(الصناع التقليديين و الحرفيين ) المشتغلين فيه .
في هذا المقال نحاول ان نذكر بعض ما يعيشه القطاع من تسيب و فوضى و ما يعيشه الصناع من تهميش و ضياع ، فالقطاع يعتبر فضاءا مناسبا لتجريب البرامج الاجتماعية المتعلقة بالتعليم بالتدرج و التسويق و التكوين و التأهيل ، و رغم ان هذه البرامج في مجملها ” تسر الناظرين ” الا انها تعتبر وجها من اوجه تبذير المال العام بشكل فج و بطرق لا تسر احدا .
يعتبر التعلم بالتدرج برنامجا فاشلا بغض النظر عن ما قد يوحي به الاسم ، فهو بالاضافة الى انه وسيلة لرد جميل بعض اعضاء التعاونيات و الفرادى لما اسدوه لمنتخبي بعض غرف الصناعة التقليدية في الانتخابات من خدمات تتعلق بجلب الصوت الانتخابي و اقناع الصناع و الحرفيين بالتصويت لهذا او ذاك ، فهو وسيلة كذلك للاسترزاق بعض موضفي و منتخبي الغرف و الجهات ذات الصلة ، فنجد المحسوبية و الرشوة و المكونين الاشباح و التغاضي على الالتزام بالتوقيت و مراجعة مراكز التكوين المهني بالتدرج .. و العديد من التجاوزات التي لا تعد و لا تحصى !
و يكفي ان نذكر ان هناك تعاونيات استفادت من تعليم اكثر من 11 مستفيذة يقدر تعويضها ب250 درهم للمستفيذة الواحدة في الشهر على مدى 11شهرا و اغلب هؤلاء المستفيذات هم صانعات تقليديات يشتغلن بذات التعاونية ! في حين ان البرنامج جاء لتعليم و تلقين غير المتعلمين حرفة يلقين بها لقمة العيش ، كما ان اغلب هؤلات لا يعلمن عملية النصب التي وقعن فيها .
و في ما يخص المعارض و التي علق عليها الامال في ترويج و تسويق المنتوجات المتعلقة بقطاع الصناعة التقليدية فهي بدورها تعرف هدرا للمال العام بشكل لا يوصف، و يكفي ان نعلم حجم المبالغ المرصودة لتلك المعارض و كيف تصرف لتتضح الصورة اكثر ، رغم ان هذه المعارض لا تعطي الفرصة للصناع المهرة و اصحاب الخبرة و الاتقان للمشاركة فيها و تبقى حكرا على فئة محظوظة نراها تنتقل من معرض الى اخر دون مراعاة لتكافؤ الفرص و لا لتنوع الحرف و المعروضات ، فلا يهم ان طغى منتوج حرفة معينة على المعرض باكمله المهم هو ان يمتلئ الفضاء و لو بنوع حرفي معين او تعداه الى منتوجات اخرى و لو بشكل محتشم ، فيما بعض الصناعات التقليدية غائبة تماما عن هذه المعارض لنعلم ان الهدف من هذه المعارض ليس تبيان ما تزخر به بلادنا من صناعات تقليدية و مصنوعات يدوية و التعريف بها و عرضها على المستهلكين و لكن لارضاء الاتباع و جعلهم ممتنون للمسؤولين على تلك المعارض باعتبارها امتياز ليس الا ، و البعض من الصناع يعتبرها فرصة للترويح عن النفس و عن قضاء اوقات في بحبوحة مؤقتة في الفنادق و كذلك للقاء بعض المسؤولين و اخذ الصور معهم ، اما المردود المالي من عملية البيع داخل المعارض فهو حديث يحرك المواجع و يجعل من العارضين في حسرة .
تحت هذه الفوضى فان جل الصناع و الحرفيين متفقين على ان المعارض و برنامج التعليم بالتدرج لا يمس الصناع جميعهم بل حفنة منهم اثرت على نفسها التقرب من المسؤولين لقاء الاستفاذة من تلك المعارض او ذاك البرنامج و اكيد لكل خدمة مقابل ، في غياب تام لمبدأ تكافؤ الفرص بين جميع الصناع و الحرفيين .
و لهذا فان من الضروري و حفظا للمال من العام من الهدر و مراقبة للبرامج التي تضعها الدولة من اجل رد الاعتبار لهذا القطاع ،فان الامر يحتاج الى لجنة تفتيش مالية مركزية للوقوف على هذه الاختلالات و تقديمها للعدالة .