مما لا شك فيه أن إصلاح التعليم يحتل الأولوية لدى النخبة في أي بلد باعتبار أن التعليم هو القاطرة التي تجر التنمية و تجعل الرفاه ممكنا، ولنا أمثلة عديدة على أهمية إصلاح التعليم و آثاره على الدول و منها مثلا دولة سنغافورة تلك الدولة المستنقع الذي خرجت منه بريطانيا باعتبارها مستعمرة لكن كغير عادة الدول المستعمَرة لم تخرج بريطانيا منه بضغط من المقاومة مثلا كعادة الشعوب في مقاومة مستعمريها و لكنها خرجت لانها كانت تؤدي ضريبة باهظة لاستعمارها مستنقع لا يفيد في شيء طبعا لا نغفل الموقع الاستراتيجي للمنطقة و لا حركات التحرر الضعيفة فيه.
هذا المستنقع الذي خرجت منه بريطانيا هروبا من و طبيعة مجاله الجغرافي و بإرادة قوية من رجل آمن بقدرة العلم و المعرفة و التعليم خصوصا على خلق المعجزات فإن فعلا ذلك المستنقع أصبح مثالا حيا لما يستطيع فعله المراهنة على التعليم في تغيير المجتمعات. و هكذا أصبحت سنغافورة من ضمن الدول التي تتبوأ مكانة اقتصادية رائدة بين الدول.
و نحن عن نتكلم عن إصلاح التعليم فاننا واعون بأن الإصلاح ليس حركة ميكانيكية يمكن ان تخلق المعجزات و لكنها فعل يستوجب العقول الخالية من أي ايديولوحية سياسية او اي اعتبار اخر غير اعتبار الاستثمار في التعليم من اجل بلوغ هدف معين و هو الازدهار و الرفاه للمواطنين و البلد.
و نحن نسرد هذه المقدمة نستحضر عملية و برامج الإصلاحات التي عرفتها بلادنا منذ نيل الاستقلال الى غاية اليوم و التي تكللت كلها بالفشل، فشل ناتج عن التخبط في وضع الاستراتيجيات و ناتج بالأساس على الإرادة التي و في نظري الخاص لم تكن موجودة بتاتا بل هذه الإصلاحات كانت لاعتبارات اخرى غير النية في الإصلاح، ذلك أن هذا الأخير يتطلب بالاضافة الى الاستراتيجيات لتنزيلها هي بحاجة أيضا الى عقول تؤمن بأن التعليم هو جوهر كل عملية تقدم و رفاه و هو السبيل الأوحد لذلك و المادة الخام التي يمكن استغلالها لذات الغرض، عقول تفرق بين السياسات المبنية على الايديولوحيات و الشعبوية و بين السياسات المنطقية المبنية على التخطيط الجيد و التنفيذ الحكيم، بالاضافة الى الإيمان الراسخ بأهمية بلوغ الهدف و اهمية الهدف نفسه لاي مخطط تقدمي يفظي الى نفث غبار الفقر و الحاجة.
و اذن و رجوعا الى الدافع لكتابة هذا المقال و هو الإصلاح الاخير الذي عرفه التعليم العالي بلادنا و الذي في كل مرة يعرف إصلاحا هو أقرب الى فعل “بركة الشيخ” على جبين المريد، فإن النتائج المرجوة هي نفسها في كل مرة، و إلا فإننا مجبرون على طرح السؤال التالي :
ما التغيير الذي يتصف به الإصلاح الأخير الذي يتميز على باقي الإصلاحات السابقة؟
التخبط الذي عرفته الإصلاحات السابقة و نتائجها المخجلة و المسار الذي يأخذه الإصلاح الحالي، يجعلنا غير واثقين من كل إصلاح لاعتبارات كثيرة سنحاول التطرق اليها في هذا المقال المتواضع، ذلك أن محاولة التغيير مع الابقاء على نفس الآليات و نفس الاستراتيجيات و طبقا لنفس المعطيات مع غياب إرادة قوية للإصلاح يجعل من المستحيل الحصول على نتائج جيدة ذلك ما يحصل لكل إصلاح ببلادنا.
المتتبع الدخول الجامعي هذه السنة يجعله يكتشف أن هناك إصلاح او بمعنى اوضح هناك تغيير ما يحصل لقطاع التعليم العالي :تغيير على المستوى البيداغوجي، على مستوى.. ،على مستوى التسويق المبالغ فيه أحيانا و هذا في الحقيقة أمر مكرر بصورة أوضح هو أشبه بعمليات تحضير لبرامج إصلاح سابقة، لذلك فالذي يهمنا هو أمر آخر، فالتحضير ماسبق ذكره لا يعني التنزيل الجيد، لذلك هذا الموضوع أي التنزيل و خلال بداية الموسم الجامعي و أول سنة إصلاح لآخر إصلاح لم تكن موفقة بتاتا، بل عرف هذا الدخول عشوائية و تخبط ناتج عن :
_ غياب التخطيط الجيد لعملية التنزيل
_ ضعف آلية التنزيل
لتناول فعل التخطيط لعملية التنزيل، فمن وجهة نظري لم تكن مؤثرة و لم تتعدى كونها مجرد دعاية و تسويق اعلاميى لبرنامج على الأوراق (حكم قاس و لكنه مستنتج من الواقع)، فمن السهل أن نضع خطة العمل و من الصعب أن نخطط للمستقبل ذلك أكيد هو رهان أي إصلاح يسعى الى التطور و التقدم، هذه الخطة لم يكن في مضمونها او ضمن خطط تنزيلها الإجابة على الاسئلة التي ستخلقها عملية التنزيل ذاتها، لم يكن ذلك في حساب من وضع هذا الاصلاح،و لذلك فقد حصل قصور كبير في هذه المرحلة، و اصبح التخبط سيد الموقف و كل كلية تجتهد لحل الاشكالات هذا ان كان هناك فعلا اجتهاد و كان الضحية هو الطالب الذي وجد نفسه يطوف بين المصالح و المكاتب لينظر في وضعيته البيداغوجية (سنعود اليها بالتفصيل في مقال اخر).
_ و من ناحية التنزيل فقد عرف البرنامج خللا كبيرة ناتج عن عدم مواكبته العنصر البشري الملائم عدة و عددا من الموظفين و الاساتذة، ذلك نراه لحد الحد في الخصاص الذي لازم بعض الوحدات كوحدة اللغات الأجنبية التي تعيش لحد كتابة هذه السطور وضعية غير سوية بسبب غياب تصور متاح لما سيتم دراسته و بسبب غياب الاساتذة المحاضرين لهذه الوحدة.
إن الطالب في هذه الضروف لايمكن الا ان يتيه و أن يفقد بوصلته و أن ينطفئ سراجه و أن يفقد تركيزه و أن يضيع قدرا كبيرا من الزمن الدراسي.
الإصلاح الذي نريد منه تقويم مسار التعلم و المعرفة و خلق أطر الغد و الذي رصدت له أموال طائلة ولد أعرحا مع الأسف، كنتيجة لعدم استشارة أصحاب الميدان من الداكترة و الاكادميين و العاملين في الميدان بشكل عام.
علي بوجيدة عضو مجلس جامعة القاضي عياض/ مراكش