تعتبر الفنانة شامة الزاز، الملقبة بـ”نجمة الشمال” (65 عاما) أحد أعمدة الأغنية الجبلية، حيث قدمت لفن العيطة الجبلية وفن “أعيوع” الشيء الكثير قبل أن تجد نفسها تصارع المرض وتعيش وحيدة حياة التهميش والنسيان، بمسقط رأسها بدوار الروف بجماعة سيدي المخفي بضواحي تاونات.
لم تكن البدايات الأولى للفنانة شامة الزاز بالأمر الهين بحكم العادات والتقاليد المحافظة لسكان اجبالة بإقليم تاونات؛ ذلك أن هذه الفنانة البدوية والعصامية تحدت كل الصعاب لترسم لنفسها مسارا فنيا مليئا بالعطاء على امتداد أزيد من أربعة عقود، فكانت حصيلتها الفنية أكثر من 60 شريطا وقرصا غنائيا أغلبها لا يحمل اسمها بعد أن اكتفت شركات الإنتاج بوضع صورة مستعارة عليها، وتحت اسم فني هو “نجمة الشمال”.
مسيرة فنية مليئة بالعطاء
تزوجت شامة الزَّاز وهي ابنة 14 سنة، قبل أن يتوفى زوجها بعد أربع سنوات من زواجهما، ويتركها أرملة ترعى ابنين، أحدهما يعاني الإعاقة. لكن ذلك لم يمنعها من معانقة فن الطقطوقة الجبلية، فتمردت على تقاليد قبيلتها، وصدحت بالمواويل الجبلية وبأغان موغلة في الجمال، في الأعراس ومناسبات الفرح.
“أول مرة غنيت أمام الجمهور كان خلال مشاركتي في المسيرة الخضراء، حيث كنت أشارك في إحياء السهرات الفنية لفائدة المشاركين في المسيرة”، تقول شامة الزَّاز متحدثة لهسبريس، مبرزة أنها حصلت على صفة “مطربة” خلال هذه المناسبة. وأضافت قائلة: “عندما عدت إلى مسقط رأسي اخترت الغناء في بعض الأجواق المحلية دون علم أسرتي، وكنت أقول لأمي إني ذاهبة للعمل دون أن أفصح لها بأن هذا العمل هو الغناء”.
ورغم هذا الحصار واصلت شامة الزاز، ذات الصوت القوي الذي تردد صداه جبال تاونات، مسيرتها الفنية المحفوفة بالمتاعب، فأصبحت أغانيها، النابعة من أعماق القلب، والتي تتحدث عن الأرض وجمال الطبيعة، وتتناول قضايا نساء الجبل، مطلوبة من طرف الجمهور، الذي كان يقطع الجبال والخنادق ليحضر حفلاتها، ويستمتع بصوتها الشجي.
“لدي 60 شريطا، نغمة وكلاما، وكنت أتقاضى ما بين 500 و1000 درهم عن الألبوم الواحد”، توضح شامة الزاز، مشيرة إلى أن هذا المبلغ كان يشكل بالنسبة إليها الشيء الكثير، وبفضله كانت تتمكن من شراء أضحية العيد لأسرتها المعوزة.
“شاركت في عشرات المهرجانات، آخرها تمثيل المغرب في مهرجان اسطنبول بتركيا، وغالبا ما كانت مشاركاتي في المناسبات الكبرى تتم رفقة المرحوم الحاج محمد العروسي”، تحكي شامة الزاز، مبرزة أنها شاركت في مهرجانات وطنية كثيرة، مثل مهرجان الحسيمة ومهرجان طنجة ومهرجان تطوان، واشتغلت مع العديد مع فناني الطقطوقة الجبلية الآخرين كالسريفي ولحسن العروسي.
شهادات مؤثرة
“تعجبنا أغانيها”، تقول فاطمة الوزاني، التي كانت تسأل شامة الزاز وسط السوق الأسبوعي لسيدي المخفي عن حالتها الصحية، قائلة لهسبريس: “أغاني شامة أصيلة، ويؤلمنا مرضها، الله يشفيها”، قبل أن يتدخل الخضار فريد البقالي، الذي كانت شامة الزاز تسأله عن سعر الخضر، مضيفا بنبرة غاضبة: “هي في حاجة إلى الدعم. لقد عاشت يتيمة ومقهورة، لكنها أفرحت الناس بأغانيها الجبلية التي تتحدث عن الطبيعة والجبل”.
“شامة هي أقدم فنانة بالمنطقة، وهي أول امرأة تمارس الفن عندنا بشكل علني، ورغم ذلك لم يعطها الفن أي شيء”، يقول حسن الزروالي، أحد أبناء سيدي المخفي، مؤكدا أن الظروف الاجتماعية والصحية التي تمر بها شامة الزاز صعبة للغاية. وأضاف: “هي تفتقر إلى منزل يحفظ كرامتها الإنسانية، فمياه الأمطار تتسرب إليه من كل مكان، كما تعاني المرض في صمت، ولا أحد يلتفت إليها، وكأنها ليست فنانة مثل باقي الفنانين”.
وبسوق خميس سيدي المخفي، وبينما كانت هسبريس تتأهب لمرافقة شامة الزاز إلى منزلها الكائن بدوار الروف، سارع عبد السلام الزروالي، أحد أبناء المنطقة والمهاجر بفرنسا، لأخذ صور تذكارية رفقة أفراد أسرته مع “نجمة الشمال”، قبل أن يبادر إلى الحديث عن مسار هذه الفنانة، مشيرا إلى أنه كان شاهدا على خطواتها الأولى في درب الغناء.
“أغانيها رفيعة، وهي فنانة مشهورة، وفي الحقيقة هي تستحق الاستفادة من مأذونية وأجرة شهرية”، يقول عبد السلام الزروالي، مشيرا إلى أن لهذه الفنانة الجبلية جمهورا عريضا داخل الوطن وخارجه. وأضاف: “هي لا تكسب شيئا، هل نتركها تموت؟ لا.. نحن نستمع إلى أغانيها في أرض الغربة، هي فنانة من منطقتي، وأنا أفتخر بها”.
معاناة مع المرض والتهميش
بعد أن صالت وجالت في الساحة الفنية الشعبية، وأسعدت جمهورها العريض، وبصمت ذاكرته بأعمال فنية خالدة، وجدت الفنانة شامة الزاز نفسها وحيدة، تتجرع آلام المرض، الذي كشفت لهسبريس بأنه انسداد في صمامات القلب. وعبرت عن معاناتها قائلة: “ما زاد في آلامي عدم التفات أي جهة لمعاناتي، حتى أفراد أسرتي تنكروا لي”.
“الطبيبة التي فحصتني ذكرت لي بأنني في حاجة إلى 14 مليون سنتيم لإجراء عملية جراحية على القلب، فمن أين لي بهذا المبلغ الكبير؟”، تقول الزاز، قبل أن تضيف دون أن تقدر على حبس دموعها: “إذا جاء الموت مرحبا به، ماذا علي أن أفعل؟”.
“لم أعد أشارك في إحياء الحفلات منذ أزيد من عام بسبب وضعي الصحي”، توضح شامة الزاز، التي أكدت أنها تكتفي بحضور بعض المناسبات الرسمية على صعيد عمالة تاونات كضيفة شرف، مبرزة أن ما يزيد من تفاقم معاناتها مع المرض عيشها، رفقة ابنها المعاق، في منزل غير مكتمل البناء.
“أطالب بمساعدتي في إكمال بناء هذه الغرفة، وإحداث مرحاض بمنزلي، فالناس الذي يزورونني ببيتي لا يجدون مرفقا صحيا يقضون فيه حاجتهم”، تقول شامة الزاز، التي ختمت لقاءها مع هسبريس بإنشاد هذا الموال الجبلي، المعرف بـ”أعيوع”، والذي قالت فيه: “أنا مريضة، مريضة.. شي مرض ما هو في.. العايل.. لا خاي لا ابن عمي.. لا من يطل علي”.. وقد اعتذرت عن إكمال هذا الموال المؤثر بعد أن غالبتها الدموع.
للتواصل مع الفنانة شامة الزاز، رقم هاتفها الشخصي هو: 0667601343