علاقة المغاربة بالحلال والحرام .. نفاق يومي وتناقض سلوكي

صرخة25 ديسمبر 2016
صرخة
منوعات
علاقة المغاربة بالحلال والحرام .. نفاق يومي وتناقض سلوكي

لا أتحدث على الدين بعينه؛ ولكن أتحدث عن علاقة الفرد مع الدين بصفة عامة. وهذه العلاقة تهمني كمحلل نفسي أكثر ما يهمني نوعية دين الفرد بحد ذاته؛ لأن الدين جزء من مكونات شخصية المغربي والمجتمع بأكمله، وهدفي هو الحث على تحرير الفكر وتحري الحقيقة والنضج العقلاني حتى يجد الفرد توازناً متناغماً بينه وبين اختياراته بدون تأنيب الضمير أو مرارة العذاب النفسي والممزق للفؤاد والناتج عن التناقضات المجتمعية.

لاحظ في مجتمعنا المغربي تناقضات لا تحصى ويعيش فيها المغربي محتار البال، بحيث يسمع بأذنيه الفقهاء يذكرونه في كل مناسبة بما هو حرام وحلال وفي الحين نفسه لا أثر لهذا الكلام عليه ولا شيء يتغير في الشارع أو البيت أو العمل. فمثلاً ترى التحرش الجنسي يزين شوارعنا والجدال والنزاعات والسب بألفاظ يستحيي منها الصغير قبل الكبير، ونرى الغيبة والنميمة والخداع والسرقة،

ونحضر في كل يوم جنازة الإخلاص والصدق، كما صارت الفوضى في الشوارع وانعدام احترام الآخر والعنف المسلط على النساء، كما نجد الإدمان على المخدرات، ونجد عددا من الفتيات يمارسن الدعارة بعلم من الوالدين والإخوان الذين يغلقون أعينهم طالما استمر صبيب الدراهم عليهم.

هذا من واقع مجتمعنا المرير بالرغم من أنه يدعي التدين، وإذا تأملنا بانقطاع تام في هذه الظواهر المطرزة بخيوط النفاق والتناقض والديكوتومية من الممكن أن نتوصل إلى هذا التحليل الآتي:

التناقض والديكوتومية التي نراها في حياتنا اليومية، حيث نظن في معظم الأحيان أننا متدينون؛ ولكننا في الوقت نفسه لا نتردد في التقصير في عملنا الوظيفي والحقد والسب ورمي الأزبال على الرصيف والتحرش الجنسي في الشوارع والاحتيال والنصب وعدم احترام المواطنين في المرور أو في الإدارة أو عند البقال.

ويصل بنا الاستهتار إلى حد تجاهل نظافتنا وانتهاك صحتنا ومضايقة المواطنين بروائحنا المزعجة. فعندما نرى هذه النتائج الواقعية، نتساءل أين هو التدين الذي يفتخر به المجتمع؟ وأين هو التحول الروحاني الذي من واجب الدين أن يحدثه؟ فهل نمط تديننا هو الذي يحثنا على هذا السلوك؟ وكيف يمكننا تفسير هذا التناقض العجيب؟

هذه الديكوتومية هي نتيجة عدم تعليم المغربي منذ الصغر ضرورة البحث الذاتي في حقيقة جميع الأمور بما فيها الدين، وضرورة التوصل إلى القناعة الشخصية في الإيمان وليس بالتبعية للآباء والأجداد من خلال منطق الوراثة والتقليد.

بعد هذه العملية الفردية والبحث الشخصي بكامل حرية الفكر والوجدان، ينتهي الفرد بالتوصل إلى حالة التشبع بقيم الدين ويصبح جزءًا منه ويحصل امتلاكه. وهذا الامتلاك هو الذي يُحدث فيه حينئذ التغيير الروحاني المنشود الذي يتجلى في هويته وشخصيته وسلوكه والتصالح مع ذاته ومحيطه وبني جنسه، وبشكل تلقائي يصبح همه الوحيد هو خدمة المجتمع بالقيم والفضائل النورانية، ويتحرر من الحالة السلبية التي تجعل منه مجرد منتسب إلى دين ما وتابع للمرشدين من الدعاة،

وبفضل الامتلاك الديني يتحول إلى إنسان مسؤول يسعى بصدق إلى التطور الروحاني والرخاء المادي والاجتماعي، ويفكر بعقله وليس بعقل الفقيه، ويسلك الحياة برأيه المتوافق والمتناغم مع روح دينه، وليس مع توصيات والتأويلات الشخصية للمتفقهين؛ فالإنسان النافع اليوم هو ذلك الإنسان الذي يخدم المجتمع ويساعد في ازدهاره بقناعاته الصادقة، وهذا هو أصل التدين الحقيقي.

*طبيب ومحلل نفساني

الاخبار العاجلة