إن الذين يتهافتون على المنابر ويتطفلون على المشهد السياسي ويحاربون القوى الوطنية والتقدمية والإصلاحية ليس من مصلحتهم ولامن يقف وراءهم أن يتعلموا ويتعلم الناس من تاريخ المناضلين والمناضلات وسجل التضحيات عبر تاريخ المغرب، وكأنهم يريدون إيهام الأجيال الجديدة بأن لاسياسة ولا نضال ولا تضحية ولا عمل ينفع ويفيد في بناء الإنسان والدولة والمستقبل بالشعب ومع الشعب ،، فيبقى غير المؤهلين سياسيا ومعرفيا، ومن يبحث عن الريع بكل أنواعه، ومن يضارب ويستغل هوية المجتمع ومعتقداته لتضليل الوعي فيسعون للتحكم في مفاصل الأحداث ليبثوا ويفعلوا مايلائم هواهم، وليبدلوا الجهد لإسكات وترهيب من لا يسايرهم، لهذا فالحديث عن تاريخ تطور التشريع والإصلاح السياسي والدستوري والمؤسساتي هو تاريخ للصراع والنضال والتضحية وعمل الشرفاء من داخل المؤسسات وخارجها..
.. إن سنة 1959 تحيل على الإطار المرجعي القانوني الأول وتكشف خلفيات وتوجهات سياسة الدولة في علاقة ببنائها للمؤسسات التي تريد، وطبيعة السلطات ونظام الحكم، وحقيقة المركزية واللامركزية، وحجم ”الإصلاحات” المعلن عنها التي تحدث وستحدث، ومدى قوة تفاعل أجوبتها مع انتظارات الشعب والقوى الوطنية، وما يجب أن يكون عليه الأمر حتى ندخل عوالم البناء الدستوري والمؤسساتي والتدبيري بالإقدام الرصين والطموح المتلائم ولم لا المنافس للديموقراطيات الحديثة …
ونسجل أن إقرار أول ميثاق جماعي في 23 يونيو 1960، والذي وضع اختصاصات محدودة وضعيفة بوجود سلطة قوية مركزية ومحلية تجعل قرارات المؤسسات والجماعات رهينة برأي ووجهة نظر وتصور الوصاية التي قد تصل إلى حد التعارض والتعطيل أو الحلول محلها..
ونشير إلى إحداث أول دستور سنة 1962، والذي مهد لمنهجية تنظيم وتوجه المؤسسات ما بين المركز والإقاليم والجماعات..حيث ينص في الباب الثامن فيما يخص الجماعات على:
الفصل 93: الجماعات المحلية بالمملكة المغربية هي العمالات والأقاليم والجماعات. ويكون إحداثها بالقانون.
الفصل 94: تنتخب الجماعات المحلية مجالس مكلفة بتدبير شؤونها تدبيرا ديموقراطيا طبق الشروط التي يحددها القانون.
الفصل 95: ينفذ العمال في العمالات والأقاليم مقررات مجالس العمالات ومجالس الأقاليم، وعلاوة على ذلك ينسقون نشاط الإدارات ويسهرون على تطبيق القوانين .
وننتقل إلى آخر دستور عرفه المغرب والمعتمد سنة 2011. والذي يخصص الباب التاسع للجهات والجماعات الترابية الأخرى حيث تنص فصوله على:
(( الفصل 135:الجماعات الترابية للمملكة هي الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات.
الجماعات الترابية أشخاص اعتبارية، خاضعة للقانون العام، تسير شؤونها بكيفية ديمقراطية.
تنتخب مجالس الجهات والجماعات بالإقتراع العام المباشر.
تحدث كل جماعة ترابية أخرى بالقانون، ويمكن أن تحل عند الاقتضاء، محل جماعة ترابية أو أكثر، من تلك المنصوص عليها في الفقرة الأولى من هذا الفصل.
الفصل 136: يرتكز التنظيم الجهوي والترابي على مبادئ التدبير الحر، وعلى التعاون والتضامن؛ ويؤمن مشاركة السكان المعنيين في تدبير شؤونهم، والرفع من مساهمتهم في التنمية البشرية المندمجة والمستدامة.
الفصل 137: تساهم الجهات والجماعات الترابية الأخرى في تفعيل السياسة العامة للدولة، وفي إعداد السياسات الترابية، من خلال ممثليها في مجلس المستشارين.
الفصل 138: يقوم رؤساء مجالس الجهات، ورؤساء مجالس الجماعات الترابية الأخرى، بتنفيذ مداولات هذه المجالس ومقرراتها.
الفصل 139: تضع مجالس الجهات، والجماعات الترابية الأخرى، آليات تشاركية للحوار والتشاور، لتيسير مساهمة المواطنات والمواطنين والجمعيات في إعداد برامج التنمية وتتبعها.
يُمكن للمواطنات والمواطنين والجمعيات تقديم عرائض، الهدف منها مطالبة المجلس بإدراج نقطة تدخل في اختصاصه ضمن جدول أعماله.
الفصل 140: للجماعات الترابية، وبناء على مبدإ التفريع، اختصاصات ذاتية واختصاصات مشتركة مع الدولة واختصاصات منقولة إليها من هذه الأخيرة.
تتوفر الجهات والجماعات الترابية الأخرى، في مجالات اختصاصاتها، وداخل دائرتها الترابية، على سلطة تنظيمية لممارسة صلاحياتها.
الفصل 141: تتوفر الجهات والجماعات الترابية الأخرى، على موارد مالية ذاتية، وموارد مالية مرصودة من قبل الدولة.
كل اختصاص تنقله الدولة إلى الجهات والجماعات الترابية الأخرى يكون مقترنا بتحويل الموارد المطابقة له.
الفصل 142: تحدث لفترة معينة ولفائدة الجهات صندوق للتأهيل الاجتماعي، يهدف إلى سد العجز في مجالات التنمية البشرية، والبنيات التحتية الأساسية والتجهيزات.
يُحدث أيضا صندوق للتضامن بين الجهات، بهدف التوزيع المتكافئ للموارد، قصد التقليص من التفاوتات بينها.
الفصل 143: لا يجوز لأي جماعة ترابية أن تمارس وصايتها على جماعة أخرى.
تتبوأ الجهة، تحت إشراف رئيس مجلسها، مكانة الصدارة بالنسبة للجماعات الترابية الأخرى، في عمليات إعداد وتتبع برامج التنمية الجهوية، والتصاميم الجهوية لإعداد التراب، في نطاق احترام الاختصاصات الذاتية لهذه الجماعات الترابية.
كلما تعلق الأمر بإنجاز مشروع يتطلب تعاون عدة جماعات ترابية، فإن هذه الأخيرة تتفق على كيفيات تعاونها.
الفصل 144: يمكن للجماعات الترابية تأسيس مجموعات فيما بينها، من أجل التعاضد في الوسائل والبرامج.
الفصل 145: يمثل ولاة الجهات وعمال الأقاليم والعمالات، السلطة المركزية في الجماعات الترابية.
يعمل الولاة والعمال، باسم الحكومة، على تأمين تطبيق القانون، وتنفيذ النصوص التنظيمية للحكومة ومقرراتها، كما يمارسون المراقبة الإدارية.
يساعد الولاة والعمال رؤساء الجماعات الترابية، وخاصة رؤساء المجالس الجهوية، على تنفيذ المخططات والبرامج التنموية.
يقوم الولاة والعمال، تحت سلطة الوزراء المعنيين، بتنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة للإدارة المركزية، ويسهرون على حسن سيرها.
الفصل 146: تحدد بقانون تنظيمي بصفة خاصة:
– شروط تدبير الجهات والجماعات الترابية الأخرى لشؤونها بكيفية ديمقراطية، وعدد أعضاء مجالسها، والقواعد المتعلقة بأهلية الترشيح، وحالات التنافي، وحالات منع الجمع بين الانتدابات، وكذا النظام الانتخابي، وأحكام تحسين تمثيلية النساء داخل المجالس المذكورة؛
– شروط تنفيذ رؤساء مجالس الجهات ورؤساء مجالس الجماعات الترابية الأخرى لمداولات هذه المجالس ومقرراتها، طبقا للفصل 138؛
– شروط تقديم العرائض المنصوص عليها في الفصل 139، من قبل المواطنات والمواطنين والجمعيات؛
– الاختصاصات الذاتية لفائدة الجهات والجماعات الترابية الأخرى، والاختصاصات المشتركة بينها وبين الدولة والاختصاصات المنقولة إليها من هذه الأخيرة طبقا للفصل 140؛
– النظام المالي للجهات والجماعات الترابية الأخرى؛
– مصدر الموارد المالية للجهات وللجماعات الترابية الأخرى، المنصوص عليها في الفصل 141؛
– موارد وكيفيات تسيير كل من صندوق التأهيل الاجتماعي وصندوق التضامن بين الجهات المنصوص عليها في الفصل 142؛
– شروط وكيفيات تأسيس المجموعات المشار إليها في الفصل 144؛
– المقتضيات الهادفة إلى تشجيع تنمية التعاون بين الجماعات، وكذا الآليات الرامية إلى ضمان تكييف تطور التنظيم الترابي في هذا الاتجاه؛
– قواعد الحكامة المتعلقة بحسن تطبيق مبدإ التدبير الحر، وكذا مراقبة تدبير الصناديق والبرامج وتقييم الأعمال وإجراءات المحاسبة.))
..و سنقف في المشهد السياسي التاريخي ما بين دستور 1962 ودستور 2011 على دخول المغرب مرحلة مشاركة الأحزاب الوطنية و العمل بالمؤسسات المختلفة من أجل التغيير، ومعارضة الجمود والإنتظارية ،ومناهضة عمليات التراجع عن البناء الديموقراطي ، حيث ظهرت أحزاب أسست لبلقنة المشهد السياسي ولمواجهة الأحزاب الوطنية وعلى رأسها الإتحاد الوطني للقوات الشعبية / الإتحاد الاشتراكي..، كما تمت مقاطعة الإنتخابات الجماعية 1969 والتشريعية 1970 لأنها في حكم المنصبة والمعينة، و غلب على هذه الحقبة الإحتقان والمواجهات، وحملات اعتقال واختفاء، ومحاكمات ولجوء سياسي، ثم كانت حالة الإستثناء التي امتدت من أواسط الستينات إلى قبيل الإعلان عن المسيرة الخضراء..، وسجلت في أوائل الستينات وأواسطها أكبر حملة اعتقال طالت قيادات وقواعد الإتحاد التي وصلت إلى 5000 معتقل، والمحاكمات التي وصل بعضها إلى الإعدام في حق عمر بنجلون والفقيه البصري ..، وعرف المغرب أيضا انتفاضة التلاميذ والطلبة في مارس 1965 .ثم اختطاف الشهيد المهدي بنبركة، وتوقيف صحافة الإتحاد ، والتضييق الكبير على عمله ونشاطه، ثم أعلنت حالة الإستثناء في نفس السنة..
وبعد المؤامرات والأحداث التي عرفها المغرب أوائل السبيعينات داخليا وخارجيا بما فيها التطاول على الوحدة الترابية من طرف عدة دول ولوبيات تسعى لإضعاف دول شمال افريقيا وعرقلة أي تقارب وتعاون وتكامل بينها لفائدة شعوبها ومكانتها بخلق بؤرة للتوثر والإبتزاز تستهدف استقرار وتنمية الجميع، فعمل الإتحاد رغم القمع والمنع الذي طال مؤسساته وأنشطته ومبادراته إلى الدفاع عن القضية الوطنية والوحدة الترابية أمام المنظمات والمحافل الدولية.. كما عمل مع حلفائه من أجل تجاوز حالة الإختناق السياسي وصراع الدولة مع أهم الأحزاب الوطنية وتقزيم أدوار المسفيدين من الصراع .. فقام كل من عبد الرحيم بوعبيد زعيم الإتحاد وعلال الفاسي زعيم الإستقلال رحمهما الله على اعتبار ان “المغرب يتجه نحو نفق مسدود” بالتوجه نحو تأسيس الكتلة الوطنية في27 يوليوز 1970، التي سيكون من مهامها القيام بالتعبئة والتأطير لتقوم القوى الحية والشعب بالنضال المشترك من أجل إنقاد الوطن، وبالقيام بالإصلاحات الضرورية، وإيقاف التردي الذي يشهده المجال الإقتصادي والإجتماعي والحقوقي.. والعمل على فتح قنوات وباب الحوار مع الملك الراحل الحسن الثاني، وهنا نذكر بلقاء بين عبد الرحيم بوعبيد والملك الراحل الحسن الثاني سنة 1974 يهم أساسا الدفاع عن القضية الوطنية..
وفي سياق التحولات السياسية والتحرك التنظيمي للخروج من ظرفية الإستثناء والجمود نظم الإتحاد الإشتراكي مؤتمره الإستثنائي 10و11 يناير1975. الذي تبنى استراتيجية النضال الديموقراطي، وبنى خطه الإستراتيجي على المبادئ الثلاث : التحرير * الديموقراطية * الإشتراكية..، وسيشهد المغرب بعد ذلك الدعوة للمسيرة الخضراء 06 نونبر 1975 ، وفي خضم هذه التعبئة والإنخراط القوي في العمل الميداني مع الجماهير الشعبية من عمال وفلاحين وطلبة، نفذت عملية اغتيال الشهيد عمر بنجلون في 18 دجنبر 1975 من طرف ظلاميين محسوبين على الشبيبة الإسلامية والذين لم تكشف بعد تفاصيل ذاث صلة بالجهة التي كانت وراءهم للقيام بعملية بشعة وجريمة نكراء تسعى لضرب العمل الديموقراطي، وتطلق حملة للتشكيك في وطنية وهوية حزب الإتحاد ،في اطار محاربته ميدانيا لإسكاته وإخضاعه وترهيبه، كما تعرضت الطبقة العاملة وخاصة بالكونفدرالية الديموقراطية للشغل التي يؤطرها وطنيا وجهويا وإقليميا ومحليا المناضلون والمناضلات وبصفة خاصة في إضراب الشغيلة التعليمية والصحية في أبريل 1979حيث طرد الآلاف من وظائفهم واعتقل آخرون ، وتعرضت قيادة الكونفدرالية وقيادات اتحادية على الصعيد الوطني لموجة قمعية واعتقالات ومحاكمات إثر الإضراب العام احتجاجا على الغلاء وللمطالبة بتحسين أوضاع الشغيلة وذلك في يونيو 1981. ولتعتقل قيادة الإتحاد الإشتراكي وعلى رأسهم الزعيم الوطني والكاتب الأول عبد الرحيم بوعبيد بسبب موقف الحزب المتميز والرافض لإجراء الإستفتاء بالصحراء على النقيض من الموقف الرسمي، إضافة إلى محطات نضاليه كبيرة ومهمة سنة 1984 و1990 و1992.
..وفي سياق الحراك النضالي الذي امتد لعقود لابد أن نشير إلى الربيع الديموقراطي الذي عرفه المغرب والذي عجل بإصلاح سياسي ودستوري وقانوني سنة 2011، وخلق دينامية إصلاحية همت إصدار التشريعات المكملة له استهلكت أكثر من خمس سنوات، وتسبب في نفس الوقت بعد تغير في المشهد السياسي إلى تراجعات وانكسارات مست بمكتسبات نضالات عقود ماضية ، ورهنت الحاضر ، وسترهن المستقبل بسياسات مالية أجهزت على قدرات الطبقة الوسطى والصغيرة والكادحة ..
إن اشاراتنا لبعض المعطيات المرتبطة بتلك المراحل من تاريخ المغرب ضرورية للتذكير بأن تاريخ النضال والعمل والإصلاح السياسي والدستوري والذي هم المؤسسات المنتخبة الوطنية التشريعية والترابية الجهوية والإقليمية والمحلية وما يتبعه من إصلاح إداري وتنظيمي يهم قوانين الشأن المحلي والتي كان آخرها القوانين التنظيمية مرتبط بتاريخ تضحيات القوى الحية الوطنية بما فيها بعض فصائل اليسار بالقطاع الطلابي منذ مابعد استقلال المغرب، وأحيانا بالقيام بأدوار مهمة بين الأحزاب الوطنية حزب الإتحاد و الإستقلال، ثم منظمة العمل والإتحاد الوطني وحزب التقدم والاشتراكية ..
إن الطريق نحو بناء دولة الحق والقانون والمؤسسات الترابية وإنجاز الخطوات المؤدية للتقدم والإزدهار لايأتي بالصدفة، ولا يتحقق بالتضليل والوهم والأحلام الزائفة، ولا تتبلور نتائجه المنتظرة بسياسات تناقض مبادئ العدالة وقواعد الديموقراطية وآليات النزاهة والشفافية والتحكم، والإنجراف مع منافع ريعية تستغل المسؤوليات للأهواء والمآرب الشخصية ولصناعة الولاءات التي تقدم على المصلحة العامة وعلى قضايا واهتمامات المواطنين والمواطنات ..
إن الوضع السياسي والحزبي في علاقة بالشأن المحلي ومستوى تثمين واستثمار الإصلاحات القانونية والتنظيمية مع تقييمها وتقويمها وتدارك نقائصها ومعيقاتها أفرز بعض النخب بالمؤسسات المنتخبة التي لم تستوعب دقة المرحلة التي نمر بها في علاقة باستمرارية المرفق العمومي، وفي ارتباط بتقوية منسوب الثقة عند الشعب في المؤسسات المنتخبة والعمليات السياسية التي تبني بين الدولة والقوى الوطنية من اجل غد افضل، وأفرز غموضا وتناقضا بين المبادئ والبرامج وطرق تدبير غير معقلنة، وواقع الحال الذي لايرضى عنه ويطمئن له الشعب..
(يتبع )