تواصل المنظومة التعليمية والتربوية بالمغرب عثراتها بالسير على وقع الارتجالية العشوائية والتخبط سواء على مستوى اتخاذ القرارات المصيرية التي تهم المتعلمين أو حتى تدبير المؤسسات التعليمية .
ولعل أزمة كورونا رسمت صورة سوداوية عن واقع التعليم بالمغرب وكشفت بالملموس عن مدى قصور وزارة التربية الوطنية في التعامل مع حالة الطوارئ الصحية التي تعيشها بلادنا والتي أدخلت المنظومة التعليمية في نفق مظلم .
ورغم رهان وزارة التربية الوطنية خلال مطلع السنة الدراسية على إعداد خطة لعودة التلاميذ لمقاعدهم الدراسية في ظل الجائحة من خلال فتح المجال للأسر لتختار بين تعلم أبنائها حضوريا أو عن بعد إلا أن الواقع المعاش حاليا يكشف عن تخبط وارتباك يؤدي ضريبته الأولى التلميذ .
فبعد تعبير أزيد من 80٪ من الأسر المغربية عن رغبتهم في تعلم أبنائهم حضوريا. وبناء على مقرر وزارة التعليم الذي يمنح مسألة الاختيار للآباء بقي أن تلتزم الوزارة بالاستجابة لاختيار الآباء وتوفير تعليم حضوري لـ 80% من التلاميذ لكن الوزارة كان لها رأي آخر باتخاذ تدبير أحادي يتمثل في مسألة التعليم بالتناوب الأمر الذي شكل ضربا لاختيارات الآباء والتلاميذ وبالتالي فالعمليات المرتبطة بالاختيار كانت مضيعة للوقت والجهد والمال.
وبالتالي فإن اختيار الوزارة نهج أسلوب التناوب بين حصص التعليم حضوريا وعن بعد يعتبر قرارا لا يصب في مصلحة التلاميذ والأسر حيث أن تقليص الزمن المدرسي سيكون وبالا على المستوى المعرفي والعلمي للتلاميذ بل وسيرمي بآلاف التلاميذ المنتمين للأسر المعوزة لأحضان الشارع في ظل استفادتهم من حيز زمني أشبه بعطلة مفتوحة.
كما أن الفراغ الدراسي بين الحصص الذي سيعيشه التلاميذ، سيؤدي لا محالة لنقص كبير في التركيز وضعف الاستيعاب في المواد الأساسية بالخصوص، الأمر الذي سيدفع الأسر مرغمة للبحث عن دروس الدعم والتقوية لتعويض النقص الذي يعانيه أبنائهم .
وفي هذا الصدد يرى عبد الرزاق الإدريسي؛ الكاتب العام الوطني للجامعة الوطنية للتعليم التوجه الديمقراطي fne، أن التعليم بالتناوب بين حصص التعليم حضوريا وعن بعد هو نوع من “الديبناج” والتمييز، مشيرا إلى أنه لا يأخد بعين الاعتبار وضعية الأسر التي تشتغل وليس لديها الامكانية لتوفير المرافقين لأبنائهم والوسائل التكنولوجية أو التي تعاني الهشاشة وتفتقر للوسائل الحديثة للاستفادة من التعليم عن بعد، الأمر الذي يتسبب في هدر للزمن المدرسي للتلاميذ الذين يجدون أنفسهم أوقات الفراغ في أحضان الشارع وكأنهم في شبه عطلة.
وأكد الإدريسي في تصريح لـ “نون بريس” أن التعليم يمر بالكثير من الأزمات، غير أن الجائحة أوضحت مكامن الخلل و أظهرت الثغرات في هذا القطاع كغيره من القطاعات المتمثلة في” الخدمات العمومية والصحة العمومية”، وغيرها من القطاعات.
وأشار المتحدث ذاته، إلى أن التعليم بالتناوب طرح، إشكالية عدم توفر المؤسسات التعليمية على التجهيزات الضرورية للتعليم عن بعد وصبيب عالي للأنترنت، بالإضافة إلى غياب تكوينات الأطر التعليمية من أجل تقديم منتوج جيد للتلميذ.
وأضاف قائلا “للأسف فإن التكوينات الخاصة التي أطلقتها وزارة التربية الوطنية لفائدة الأطر التعليمية في مجال التكنولوجية في الفترة الممتدة مابين سنة 2007 و2013، لم تكن كافية ، كما أن عدد من الأطر التي حضرت التكوينات أحيلت على التقاعد ولم تعد ظمن المنظومة التعليمية، مما يستدعي على الوزارة إعادة النظر وفتح المجال أمام الاطر التعليمية وبرمجة تكوينات جديدة في المجال تماشيا مع الظرفية الراهنة التي تستدعي هذا الأمر “،وفق تعبيره.
وشدد الإدريسي في ختام تصريحه، على أن المشكل الذي يعاني منه قطاع التعليم اليوم هو مركب وبنيوي وليس بالبسيط، لذلك يجب أن يأخد مجهود استثنائي مالي وكذلك سياسي على مستوى القرارات لكي يكون التلاميذ في المستوى كيفما كانت طريقة التعليم سواء حضوري أو عن بعد أوبالتناوب، وبدون توفر هذه الشروط لايمكن أن نحقق نجاحا وجودة في التعليم.
كما دعا الدولة إلى ضرورة بدل مجهود مالي استثنائي وخلق ميزانية استثنائية لتوفير البنية التحتية والتجهيزات وتكوين نساء ورجال التعليم وتحسين ظروف العمل و تحسين الأجور من أجل الرقي بالتعليم ببلادنا.